وَالْتَمِسُوْها في كُلِّ وِتْرٍ». قال سيدُنا أبو سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالى عنه: فمَطَرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلةَ، وكان الْمَسْجِدُ على عَرِيْشٍ، فوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فبَصُرَتْ عَيْنِي رسولَ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم، وعلى جَبْهَتِه أثَرُ الْمَاءِ، والطِّيْنِ، مِنْ صَبِيْحَةِ إِحْدَى وعِشْرِيْنَ[1].
أخي الحبيب:
لِنَعْتَكِفْ شَهْرَ رَمَضانَ كامِلاً مَرَّةً على الأقَلِّ في الحياة، لأداءِ سُنّةِ النبيِّ الكرِيْمِ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم وكان الْهَدَفُ الأَسَاسِيُّ مِنْ الاعتكافِ: أنْ يَلْتَمِسَ العبدُ ليلةَ القَدْرِ، وَالأَرْجَحُ أنَّ ليلةَ القَدْرِ في لَيالِي الوِتْرِ من العَشْرِ الأواخِرِ، ففي الحديثِ الشريف الذي مَضَى: كانت ليلةُ القَدْرِ، هي ليلةُ الْحَادِي والعِشْرينَ، ولكنَّ قَوْلَ رسولِ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم: «تَحَرَّوْا، أيْ: اُطْلُبُوا ليلةَ القدرِ في الوِتْرِ، أيْ: في لَيَالِي الوِتْرِ من العَشْرِ الأوَاخِرِ من رَمَضانَ».
هذا دلِيْلٌ على أنَّ ليلةَ القدرِ تَنْتَقِلُ في ليَالِي الوِتْرِ من العَشْر الأواخِرِ، فهذا الحديث الشريفُ، فيه ترغيبٌ عظيمٌ، في الاعْتِكافِ في العَشْرِ الأخِيْرِ مِنْ رَمَضانَ اِلْتِماسًا للخَيْرِ، وطلَبًا لِلَيْلةِ القدرِ لأنَّ الْمُعْتَكِفَ يَقْضِي جمِيْعَ هذهِ الليالي في المسجدِ، ورُبَّما يُدْرِكُ ليلةَ القَدْرِ فيها وثَبَتَ في الحديثِ الشريف: أنَّ النبيَّ الكريْمَ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم
[1] ذكره الخطيب التبريزي في "مشكاة المصابيح"، كتاب الصوم، باب ليلة القدر، الفصل الأول،١/٣٩٢-٣٩٣، (٢٠٨٦).