الناس، وكان يمكنه الأمر ببناء القصور الرائعة له إنْ شاء، مع جميع أنواع الميزات والخصائص وباهتمام بالغ، وتزيينها بالزخارف بأنواعها المعروفة في أنحاء العالم، ويجمّلها بالحدائق الرائعة لتسعد القلب، ويمكنه أنْ يجمع فيها الطيور الجميلة والجذّابة، مع نموذج مثالي للعمارة من كبار المهندسين في عصره، ويحيطها بالأحواض المائيّة، ومياه الأنهار والبُحيرات النقيّة، والغرف الفاخرة، المكسوة بالسجّاد وستائر من الحرير والأسِرّة والفرش مع الأرائك الناعمة اللينة للاسترخاء، ويضع الخدم والعبيد للقيام بأموره كلّها.
نعم! لو أراد أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه هذه العيشة من الحياة المريحة المتيسّر لها كلُّ وسائل الراحة لعاش! ولكنّه لم يرد شيئًا من هذا القبيل، وإنّما عاش حياةً بسيطةً مع تواضع وعجز، وكان مِنْ شدّة تواضعه ينام على الأرض ويجعل الحجر وسادته.
أمّا حالنا نحن على الرغم مِنْ أنّنا لا نحمل شيئًا من حقيقة العلم ولا العمل، فإنّنا لا نتخلّق بالتواضع كما ينبغي، وإذا ملك أحد منّا بعض المال والثروة أو تولّى منصبًا دنيويًّا كبيرًا فلا يتكلّم مع عامّة الناس فضلًا عن أنْ يتواضع بنفسه لهم، بل إنّه يتورّط في التكبّر والغرور ونحوهما مع كثير من السيّئات، والبعض إذا تولّى منصبًا دنيويًّا انخرط بأمور منكرة وشيطانية، وأهان من هو أقلّ منصبًا منه، ويظهر عناده في كثير من الأمور.