الذين بهم تلألأ[1] غرّة الحقّ وأشرق وجه الدين, واضمحلّ دُجى الباطل ولمع نور اليقين, وبعد فإنّ أحقَّ الفضائل بالتقديم وأسبقَها في استيجاب التعظيم[2] هو التحلّي بحقائق العلوم والمعارف, والتصدّي للإحاطة بما في الصناعات من النُكَت واللطائف, لا سيّما علم البيان[3] المُطلِع على نُكَت نظم القران فإنّه كشّاف عن حقائق التنزيل رائق, مفتاح لدقائق التأويل فائق, تبيان[4] لدلائل الإعجاز وأسرار البلاغة, إيضاح لمعالم الإيجاز وآثار الفصاحة, تلخيص لغوامض[5] مشكل كتاب الله ومُعضَله, تقريب للغوص على فرائد مُجمَله ومُفصَّله, قواعده
[1] قوله: [تلألأ] أي: لمع. والغرّة في الأصل بياض في جبهة الفرس ثمّ استعير لكلّ واضح معروف, والحقّ كلّ كلام أو اعتقاد طابقه الواقع. والدين وضع إلهيّ سائق لذوي العقول باختيارهم إلى الخير, ويضاف إلى الله تعالى لصدوره منه وإلى النبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلّم لظهوره منه وإلى الأئمّة لتديّنهم به وانقيادهم له, والاضمحلال الزوال, والدجى الظلمة, والباطل خلاف الحقّ, والمراد به الكفر المشبَّه بالليل.
[2] قوله: [استيجاب التعظيم] أي: استحقاقه. قوله التحلّي أي: التزيّن. قوله بحقائق العلوم والمعارف المراد بالعلوم التصديقات أو إدراك الكليّات أو إدراك المركّبات وبالمعارف التصوّرات أو إدراك الجزئيّات أو إدراك البسائط, أو العطف تفسيريّ. قوله والتصدِّي عطف على التحلِّي, والصنعة علم يتعلّق بكيفيّة العمل ويكون المقصود منه ذلك العمل, والنُكَت جمع نكتة وهي الدقيقة الحاصلة بدقّة النظر ويقال لها اللطيفة إذا أورثت نوعاً من الانبساط فعطف اللطائف من عطف الخاصّ على العامّ.
[3] قوله: [لا سيّما علم البيان] أي: لا مثل علم البيان موجود في استحقاق التعظيم, وعلم البيان هنا بالمعنى الشامل للفنون الثلاثة فإنّه قد يطلق على هذا المعنى. والمُطلِع اسم فاعل من الإفعال صفة علم البيان, وفيه إشعار بعلّة خصوصيّة علم البيان من بين العلوم. قوله فإنّه أي: لأنّ علم البيان. والتنزيل القرآن المنزّل. قوله رائق أي: مُعجِب, صفة كشّاف. والتأويل ما بقواعد العربيّة, والتفسير ما بالنقل عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو عن الصحابة. وفائق صفة مفتاح.
[4] قوله: [تبيان] وهو بيان مع دليل وبرهان. والمعالم جمع المِعلَم وهو ما يستدلّ به على الشيء.
[5] قوله: [لغوامض] جمع غامض خلاف واضح, والمشكل من أشكل الأمر إذا اشتبه, والمُعضَل من أعضله بمعنى أعياه إذا كان مغلقاً لا يهتدى لوجهه. قوله على فرائد مجمله إلخ أي: على مجملاته ومفصَّلاته الشبيهة بالفرائد فالإضافة من قبيل لجين الماء.