الكُنَى المعانيَ الأصليّةَ, وممّا يدلّ[1] على أنّ الكناية إنّما هي بهذا الاعتبار لا باعتبار أنّ ذلك الشخص لزمه أنه جهنّميّ سواء كان اسمه أبا لهب أو زيداً أو عمراً أو غيرَ ذلك أنك لو قلت هذا الرجل فعل كذا مُشيراً إلى أبي لهب لا يكون من الكناية في شيء, ويجب أن يُعلَم[2] أنّ أبا لهب إنّما استُعمِل هنا في الشخص المُسمّى به[3] ليُنتقَل منه إلى جهنّميّ كما أنّ طويل النجاد يُستعمَل في معناه الموضوع له ليُنتقَل منه إلى طول القامة, ولو قلتَ[4]
[1] قوله: [وممّا يدلّ إلخ] إقامة الدليل على ما ذكره من أنّ الكناية هنا إنّما هي بحسب الوضع الأصليّ الإضافِيّ لا بحسب الوضع الثاني العلَميّ, وحاصله أنه إن كان الكناية في أبو لهب فعل كذا باعتبار الوضع العلَميّ أي: باعتبار أنّ ذلك الشخص لزمه أنه جهنّميّ سواء سُمِّي بأبي لهب أو بغيره, فلا يخلو إمّا أن تكون الكناية فيه بأن يُرادَ بـأبو لهب الشخص المشهور ليُنتقَل منه إلى جهنّميّ لأنه ممّن يلزمه أنه جهنّميّ, أو بأن يُرادَ به ابتداءً جهنّميّ آخر, فيلزم على التقدير الأوّل أن يصحّ كونُ قولنا هذا الرجل فعل كذا مشاراً به إلى أبي لهب كنايةً لأنّ الشخص الملزوم واحد في القولين ولم يتبدّل بتبدّل التعبير عنه في الأوّل بـأبو لهب وفي الثاني بـهذا الرجل مع أنه لم يقل أحد بالكناية في القول الثاني, ويلزم على التقدير الثاني أن يكون قولنا رأيت اليوم أبا لهب كنايةً ولم يقل به أحد.
[2] قوله: [ويجب أن يُعلَم إلخ] إشارةٌ إلى بطلان لازم التقدير الأوّل وهو أن يكون قولنا هذا الرجل فعل كذا مشاراً به إلى أبي لهب كنايةً, وحاصله أنهم أوردوا المثال لهذه الكناية بقوله تعالى: ﴿ تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ﴾ ولا شكّ أنّ المراد به الشخص المشهور, وذكروا سبب الانتقال منه إلى جهنّميّ بأنه إذا عُبِّر عنه بهذا الاسم دون اسمه عبد العُزّى يذهب الذهن إلى أنّ التخصيص بهذا التعبير إنّما هو ليُنتقَل منه إلى جهنّميّ, فهذا تصريح منهم بأنّ هذه الكناية لا تتحقّق بالتعبير عنه بـهذا الرجل ونحوه.
[3] قوله: [إنّما استُعمِل هنا في الشخص المُسمّى به] أي: استُعمِل في الآية الكريمة إلخ. قوله ليُنتقَل منه إلى جهنّميّ أي: باعتبار المعنى الأصليّ والوضع الأوّل الإضافيّ, ولم يذكره هنا اكتفاءً بذكره سابقاً. قوله كما أنّ طويل النجاد إلخ التشبيه في مجرّد التكنية وإلاّ فالكناية في الآية بالواسطة كما عرفتَ وفي هذا المثال بلا واسطة. قوله ليُنتقَل إلى طول القامة لأنّ طول النجاد يستلزم طولَ القامة.
[4] قوله: [ولو قلتَ إلخ] إشارةٌ إلى بطلان لازم التقدير الثاني وهو أن يكون قولنا رأيتُ اليومَ أبا لهب كنايةً. قوله يكون استعارة لأنه لفظ استعمل في غير ما وضع له بعلاقة التشبيه. قوله ولا يكون من الكناية في شيء لأنّ الكناية يجب أن يكون اللفظ فيها بحيث يصحّ أن يراد به المعنى الموضوع له وليس ههنا كذلك لوجود القرينة الصارفة عن إرادة الموضوع له وهي لفظ اليومَ.