مُبيِّناً ومُلخِّصاً لما أُجمِل أوّلاً, وسَكَت[1] عن بدَل الغلط لأنه لا يقع في فصيح الكلام, فإن قلتَ[2]: لِم قال هنا لزيادة التقرير وفي التأكيد للتقرير ؟ قلتُ: قد أخذ هذا من لفظ "المفتاح" على عادة افتنانه في الكلام, وهو[3] من إضافةِ المصدر إلى المعمول أو إضافةِ البيان أي: الزيادة التي هي التقرير, والنكتة فيه الإيماء[4] إلى أنّ البدل هو المقصود بالنسبة والتقرير زيادة يقصد بالتبعيّة بخلاف التأكيد فإنّ المقصود منه نفس التقرير, وبيان التقرير[5]
[1] قوله: [وسَكَت إلخ] أي: ولم يورد المصـ مثالاً لبدل الغلط لأنه لا يقع في الكلام الفصيح, واعلم أنّ الغلط على ثلاثة أقسام: غلط صريح محقَّق بأن تسبقك لسانك إلى الغلط ثم تداركه بذكر الصحيح, وغلط نسيان بأن تتعمّد ذكر الغلط بنسيان المقصود ثمّ تداركه بذكر المقصود, وغلط بداء بأن تذكر المبدل منه عن تعمّد ثم تُوهِم أنك غالط فيه, فالغلطان الأوّلان في فصيح الكلام لا يقعان, وأمّا الثالث فمعتمد الشعراء كثيراً للمبالغة والتفنّن, وشرطه أن يرتقي من الأدنى إلى الأعلى كقولك هند نجم بدر كأنك وإن كنتَ متعمِّداً لذكر النجم تغلط نفسك وترى أنك لم تقصد في الأوّل إلاّ تشبيهَها بالبدر.
[2] قوله: [فإن قلتَ إلخ] استفسارٌ عن التغيير في التعبير في الموضعَين هل هو لنكتة أو تفنّن محض, وحاصل الجواب أنّ هذا تفنّن في العبارة أي: تعبير عن المعنى الواحد بعبارات مختلفة وهو مستحسن عندهم.
[3] قوله: [وهو إلخ] أي: وقوله زيادة التقرير من إضافة المصدر إلخ, اعلم أنّ الزيادة تجيء مصدراً وبمعنى الحاصل بالمصدر, وعلى الأوّل إضافتها إلى التقرير لاميّة من قبيل إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول لأنّ الزيادة تجيء لازمة ومتعدِّية ولذا اختار لفظ المعمول, وعلى الثاني بيانيّة.
[4] قوله: [والنكتة فيه الإيماء إلخ] أي: والنكتة في زيادة الزيادة في مقام البدل دون التأكيد الإيماء إلخ, وفيه إيماء إلى أنّ الافتنان في الكلام لا بدّ له من نكتة إذا كان من البليغ. قوله فإنّ المقصود منه نفس التقرير أي: لأنّ المقصود من التأكيد بالأصالة هو نفس التقرير, فالتقرير في البدل شيء زائد يحصل بالتبعيّة وفي التأكيد ليس زائداً, فإلى هذا أشار بقوله هنا: لزيادة التقرير وفي التأكيد: للتقرير.
[5] قوله: [وبيان التقرير إلخ] لمّا كان التقرير في بعض أقسام البدل خفيًّا تعرّض لبيانه في جميع أقسامه فقال: وبيان التقرير إلخ. قوله لما فيه من التكرير أي: تكرير المنسوبِ إليه والنسبةِ, أمّا الأوّل فلأنّ الأوّل والثاني متّحدان ذاتاً وإن كانا متغايرَين مفهموماً فعُبِّر عنه أوّلاً بـزيد وثانياً بـأخوك فقد تكرّر زيد معنى, وأمّا الثاني فلأنّ البدل في حكم تكرير العامل فقد تكرّرت النسبة حكماً, والتكرّر مُوجِب للتقرّر. قوله قال صاحب "الكشّاف" إلخ إثباتٌ لكون التكرير مُوجِباً للتقرير.