وكلامُه أيضاً[1] مشحونٌ بإطلاق التقديم على الضرب الثاني (فلكون ذكره) أي: المسند إليه (أهمّ) ذكر الشيخ[2] في "دلائل الإعجاز" أنا لم نجدهم اعتمدوا في التقديم شيئاً يجري مَجرَى الأصل[3] غيرَ العناية والاهتمام لكن ينبغي[4] أن يُفسَّر وجه العناية بشيء ويُعرَف فيه معنى, وقد ظنّ كثير من الناس أنه يكفي أن يقال: قُدِّم للعناية من غير أن يُذكَر من أين كانت تلك العناية؟ وبم كان أهمّ؟ هذا كلامه, ولأجل هذا[5] أشار المصنّف إلى تفصيل وجه كونه أهمّ فقال: (إمّا لأنه) أي: تقديمَ المسند إليه (الأصل) لأنه المحكوم عليه[6] ولا
[1] قوله: [وكلامُه أيضاً إلخ] أي: وكلام صاحب "الكشّاف" أيضاً مملوءٌ بإطلاق التقديم على الضرب الثاني, وهو يدلّ على أنّ مراده ثمّه هو الضرب الأوّل وإلاّ لم يصحّ ما ملأ به كلامه.
[2] قوله: [ذكر الشيخ إلخ] المقصودُ من نقل كلامه الإشارةُ إلى وجه تعرّضِ المصـ لبيان وجه الاهتمام بقوله إمّا لأنه الأصل إلخ وعدمِ اكتفائه بقوله فلكون ذكره أهمّ, وفيه تعريض على مَن ظنّ أنه يكفي في وجه تقديم الشيء أن يقال: قُدِّم للعناية من غير أن يُذكَر وجه العناية والاهتمام.
[3] قوله: [يجري مَجرَى الأصل إلخ] يعني أنا نجدهم أنهم يجعلون اهتمام الشيء هو الأصلَ في وجه تقديم ذلك الشيء, والدواعي التي تُذكَر للتقديم كلّها اعتبارات راجعة إلى الأهميّة رجوع الفروع إلى أصله, ويجوز جعل تلك الدواعي حالات مقتضِية للتقديم بلا واسطة الأهميّة.
[4] قوله: [لكن ينبغي إلخ] دفعٌ لتوهّم أنه إذا كان الاهتمام هو الأصل في وجه التقديم يكفي في بيان نكتة التقديم أن يقال قُدِّم للاهتمام, وحاصل الدفع أنه لا يكفي ذلك فيه بل ينبغي أن يُبيَّنَ سبب الاهتمام وتُسنَد العناية إلى شيء يكون مقتضِياً وعلّةً للعناية بحسب المناسبات المقاميّة ليعلَم الكاسبُ للبلاغة الجهاتِ المعتبرةَ عند البلغاء المقتضِيةَ للاهتمام. قوله هذا كلامه أي: هذا كلام الشيخ.
[5] قوله: [ولأجل هذا إلخ] أي: ولأجل أنه ينبغي أن يُفسَّر وجه العناية بشيء ويعرف فيه معنى مناسب لاقتضاء العناية أشار المصـ إلخ.
[6] قوله: [لأنه المحكوم عليه إلخ] تعليل لكون تقديم المسند إليه الأصلَ. قوله ولا بدّ من تحقّقه قبل الحكم المراد بالحكم المحكوم به, ولا شكّ أنه صفة من صفات المحكوم عليه فينبغي أن يلاحظ المحكوم عليه في الذهن قبل المحكوم به, فالمراد بالوجوب المستفاد من قوله ولا بدّ من تحقّقه إلخ الوجوب الاستحسانيّ بقرينة أنّ الأصل بمعنى الراجح والأولى دون الواجب.