منهجٌ قرآنيٌّ في تربية الأولاد | الشيخ محمد قاسم العطاري


نشرت: يوم السبت،08-أبريل-2023

منهجٌ قرآنيٌّ في تربية الأولاد

قال الله تعالى:

وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ ‌وَهُوَ ‌يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيم

ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية النصائحَ لعبده المقرّب سيدنا لقمان رضي الله تعالى عنه التي يعظ ابنَها، وفيما يلي ملخص لهذه الوصايا:

* يا بُنيّ! لا تشرك بالله شيئًا؛ لأن الشرك ظلمٌ عظيمٌ.

* واجتنب الشر حتى أدناه وأصغره؛ لأنّ الشر وإن كان صغيراً كالحبة، وكانت على صخرة، أو في السماء، أو في الأرض، أو في الكهف، أو في أي مكان، فإن الله يجلبُها أمام العبد يوم القيامة.

* وعليك بإقامة الصلاة.

* والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

* والصبر على المصائب؛ لأن ذلك من عزم الأمور.

* والابتعاد عن التكبر والغرور، ولا تتحدث مع الناس باعوجاج بل تكلّم معهم بصوتٍ مُنْخَفِضٍ بدلاً من الصراخ؛ لأن الصراخ صوتٌ منكرٌ، ومن أنكر الأصوات صوتُ الحمير الذي ينهق بصوت عال.

* وكذلك عليك بالمشي في الأرض معتدلاً، لا مختالاً ولا متبختراً؛ لأن الله لا يحب المُتَبَخْتر ولا المتكبِّر.

اقرأ جيدًا هذه النصائح حيث بيّنها سيدنا لقمان رضي الله تعالى عنه لابنه فيما يجبُ القيام به في الحياة، وكيف ينبغي أن ندرِّب أولادنا في ضوء ذلك؟.

يتّضح مما سبق أنه يجب على الآباء مراعاةُ الأمور الأربعة التالية على وجه الخصوص:

1) يجب الاهتمام بالأولاد في دراسة العقائد، وفي إصلاح الأعمال، وفي استقامتهم على الدين.

2) يجب الاهتمام بأعمالهم وعباداتهم الظاهرة كالصلاة ونحوها، أي: ينبغي أن تعلِّموهم الصلاة والمواظبةَ عليها، كما ينبغي أن تدرِّبوهم على الصلاة بالآداب الظاهرة والباطنة.

3) يجب الاعتناء بإصلاح باطنهم، حتى إذا غرس في قلوبهم الإيمانُ بأن الله سميع وبصير، وعليم وخبير، وأنه يراقب كلَّ عملٍ من أعمال العبد، في كل وقت وحين، وأنه لا يخفى عليه شيء، وأنه سيُحاسب العبدُ على كل عملٍ صغيرٍ أو كبير، فحينئذ يكون إصلاح الباطن سهلاً ويسرًا.

4) يجب تربية الأبناء على الأخلاق الإسلامية، وآداب الحياة الاجتماعية والشخصية.

هذه الأشياء الأربعة هي في غاية الأهمية لِـما فيها من فوزٍ ونجاحٍ في الدنيا والآخرة.

الأول: العقائد: فصحة الاعتقاد، وثبات الإيمان، والثقة بالله هي الوسيلة لتحمّل مصائب الدنيا والنجاة منها، بينما العقائد الباطلة هي مصدر المصائب والنكبات والأزمات والقلق النفسي، وكذلك صحة الاعتقاد سببٌ قويٌّ للفوز برحمة الله تعالى ودخول الجنة في الآخرة، بينما الموت على المعتقدات الفاسدة والضلال يجعل المرء مستحقًّا لدخول النار، ومن مات على الكفر يُعذَّب في جهنم أبدًا.

الثاني: العبادة: هي وسيلةٌ للحصول على السُّمعة في الدنيا، ولدخول الجنة في الآخرة، ومن خلالها تتقوّى علاقة العبد بربه سبحانه وتعالى، فيتقرّب إليه، ويتحقّق غرض الخلق من الإنسان، وعلى العكس من ذلك فإنّ إهمال العبادة سببٌ للابتعاد عن رحمة الله تعالى، والاقتراب إلى الشيطان، وكذلك سببٌ للذُّل والعار في الدنيا، ولدخول الجحيم في الآخرة.

الثالث: الأعمال الباطنة: أي: أن تكون علاقة العبد مع ربه سبحانه وتعالى علاقةً قلبيةً وثيقةً؛ فإنّ مراقبة صفات الله تعالى هي أقوى الأسباب لنقاوة النفس، ونور القلب، والروحانية الداخلية، والمكاشفة، والمراقبة، ودرجات الأنبياء والأولياء ترجع لهذه الأفعال الداخلية والأحوال القلبية مع الله تعالى.

الرابع: الأخلاق الحميدة: إذا كانت أخلاق أبنائنا حسنة فستُقدّر في المجتمع، ويحترمهم الناس، وإذا كانت سيئة، فسيفقدون كرامتهم في المجتمع، ويكون ذلك ذُلاًّ وعارًا على الوالدين أيضًا، كما أنّ الأخلاق الحميدة سببٌ لرضى الله سبحانه وتعالى في الآخرة، بينما الأخلاق السيئة مصدر لسخط الله وغضبه، وصاحب الأخلاق السيئة يُثْقِل بها من قِبَل الناس.

للأسف الشديد!

للأسف الشديد! إن الآباء في مجتمعنا المعاصر يهتمُّون بتربية الأطفال، من حيث تفوّقهم في العلوم العصرية والحياة الدنيوية، ومن حيث ذكاؤهم وفطانتهم، لكنهم لا يُبالون فيما يتعلق بالعقائد والأفكار والأعمال سِرًّا أو علانيةً، ويتمنَّون أن يكون أطفالهم ناجحين في الحياة الدنيوية، حائزين للمناصب والأموال والشهرة، لكن ليس لديهم أدنى رغبةً بأن يسلك أطفالهم مسلكَ النجاح دِينيًّا ولا أخرويًّا، ولا أن يكونوا واقفين على تعاليم دينهم ومذهبهم وقوفًا تامًّا، من حيث كونهم ذريةَ المسلمين وصالحين اعتقادًا وأعمالاً، وأن تكون شؤون حياتهم وِفقًا لِـما أمر الله تعالى ورسولُه عليه الصلاة والسلام.

إن الآباء يطمعون بأن يكون أولادهم متقدِّمين في الحياة الدنيوية لكي يكونوا مزينين بزخارف الحياة الدنيا مع أولادهم، فيتمتعون بالترف والرفاهيّة، لكنهم لا يلتفتون إلى أن يصبح أولادهم سببًا للطّمأنينة لهم في حياتهم البرزخية أو وسيلةً للشفاعة والمغفرة لهم في الآخرة.

منهج لتربية الأطفال

يجب في تربية الأطفال أن يعطى لهم وقتًا كافيًا ونشيطًا، لا قليلا متعَبًا، وأن يجالسهم، ويتبادل معهم الكلام، ويسألهم عن أشغالهم، ويحدّثهم عن العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة، ويخبرهم بسيرة النبي ﷺ وأصحابه والأولياء والصالحين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ويوفِّر لهم الكتب، ويرغّبهم في القراءة، ويسألهم عما درسوا، ويسمع منهم الكتبَ حفظًا، ويشجعهم على الأعمال الصالحة وتحسين أخلاقهم، ويحذّرهم من الأعمال السيئة وسوء الخلق، ويخبرهم بمضارِّها، ويُعلِّمهم أهمية النظافة والصحة والأطعمة الصحية، فيعتادون أكلها، ويميّز لهم بين ما ينفعهم وما لا ينفعهم، مثلا: القراءة، وتلاوة القرآن، وعبادة الله مفيدٌة لهم، وكذلك التنزّه، والرياضة، وما يجوز من المتعة والتسلية، وغيرها أشياء جميلة، ولكن الإسراف في الاشتغال بالهواتف والإكثار في استخدام النت مذمومٌ، وكذلك الجدّ وعلو الهمة والنشاط وسيلةٌ من وسائل النجاح، بينما الكسل والتساهل والتقصير في العمل من أسباب الفشل في الحياة، والخلاصة أن توفير الوقت والاهتمام بالأطفال يسبّبان تسهيل الحياة للوالدين، ووسيلة لنجاح الأطفال في حياتهم، وإلا سيكونون في همّ وحزن، ويتأثر الأطفال بذلك فيصبحوا في قلق واضطراب وتسوء أحوالهم.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتربية أطفالنا تربية تكون سببًا في نجاحهم في الدنيا والآخرة، ووسيلةً لطمأنينة الوالدين في الحياة الدنيوية، ونجاةً لهم في الآخرة.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية