الليلة السنوية للمغفرة والعفو والتسامح ليلة النصف من شعبان | عبد الله المدني


نشرت: يوم الأَربعاء،26-يناير-2022

الليلة السنوية للمغفرة والعفو والتسامح ليلة النصف من شعبان

شهر شعبان هو الشهر الثامن في ترتيب الشهور الهجرية، وهو من أفضل الشهور وأجلّها لمواسم الخيرات والطاعات، بركاته مشهورة وخيراته موفورة، والتوبة فيه من أعظم المواهب الصالحة، والطاعة فيه من أكبر التجارات الرابحة، جعله الله سبحانه وتعالى مقدّمة حسنة لشهر رمضان، وضَمِن فيه للتائبين والْمُنِيبين الأمان، من عوَّد نفسه فيه بالسعي والاجتهاد، فاز في رمضان بحُسن التدرّب والاعتياد، ووردت في فضائله كثير من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة والصالحين مما يدلُّ على مدى أهميته وعِظَم مكانته من بين الشهور، ويكفينا فضلاً اهتمام النبي ﷺ بكثرة الصيام فيه، فعن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه، قال: قلتُ: يا رسول الله! لم أرَكَ تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال:

"ذلك شهرٌ يغفُلُ الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى رب العالمين، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم".

الحذر من موانع المغفرة في هذه الليلة العظيمة:

في شهر شعبان المعظّم ليلة عظيمة مكرَّمة إنها "ليلة النصف من شعبان" وسمّيت بأسماء مختلفة كـ"ليلة البراءة وليلة الغفران وليلة الإجابة" وغيرها.. يتجلَّى الله تعالى فيها على خلقه بعموم مغفرته وشمول رحمته، فيغفر للمستغفِرين، ويرحم المسترحِمين، ويستجيب دعاء السائلين، ويفرّج عن المكروبين والمهمومين ويُعتِق فيها جماعةً من النار ويَكتب فيها الأرزاق والأعمال..

وهي ليلة مهمّة لا ينبغي التغافُل عنها، وعلى المسلم أن يغتنمها كفرصة للمغفرة والعتق من النار وأن يتجنَّب فيها الذنوب التي تَحجُب عنه الخير والرحمة من الله تعالى، ومن تلك الذنوب التي تمنع الخير والمغفرة حسب ما جاءنا في الأحاديث النبوية الشريفة:

إدمان الخمر، وعقوق الوالدين، والزِّنا، وقطيعة الرحم، وإيقاع الفتنة بين الناس من خلال النميمة، والسِّحر، والكهانة، والكِبر، والتباغضن والتحاقد، وغيرها من الكبائر..

لذلك إذا وقع العبد في أيّ منها أو ضيَّع حقًّا من حقوق العباد -لا قدَّر الله- فعليه أن يسارع بالتوبة الصادقة وأن يُقلِع عن تلك المعاصي فوراً وأن يتحلَّل من حقوق الناس بردّها إلى أصحابها مع طلب العفو منهم قبل مجيء هذه الليلة المباركة..

رسالة العفو والتسامح من عظماء الأمة:

وبهذه المناسبة المهمّة ينبغي أن نروّج خُلُق العفو والتسامُح فيما بيننا، وأن ندعو للتصالح والتصافي والنسيان وتجديد المشاعر والاعتذار، لتكون بيئة بيوتنا صالحة وهادئة، ننزع عنها حواجز الكراهية في علاقاتنا مع الأرحام والأقرباء وغيرهم، وهكذا حتى تكون صفحات كتاب أعمالنا بيضاء نقيّةً، خاليةً من الحقد والغِلّ والبغضاء، اتباعًا لمنهج سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى..

ولقد نقل شيخنا سيدي محمد إلياس العطار القادري حفظه الله تعالى رسالة التوبة والعفو والتسامح للإمام أحمد رضا خان الهندي رحمه الله تعالى بمناسبة ليلة النصف من شعبان في كتابه "شهر الحبيب ﷺ" والتي كتبها الإمام أحمد رضا رحمه الله تعالى لبعض أصحابه قبل قدوم هذه الليلة المباركة، وهذه خلاصتها منقولة من الأردية إلى العربية:

"ها قد اقتربت ليلة النصف من شعبان، وهي ليلة تُرفَع فيها أعمال العباد إلى الله تعالى، ويغفِر الله عزَّ وجلَّ فيها بجاه حبيبه المصطفى ﷺ لكل مؤمن إلا لبعض الناس، منهم المتباغضان لغرض دنيوي، فيقول: أمهِلوا هذين حتى يصطَلِحا، فلذا ينبغي لأهل السُّنة إنهاء الخلافات وإصلاح العلاقات وأداء الحقوق إلى أصحابها أو طلب السَّماح منهم قبل غروب شمس الرابع عشر من شعبان بحيث تُعرَض الأعمال على الله عزَّ وجلَّ خالية من حقوق العباد بإذن الله تعالى، وأما حقوق الله فيكفي فيها التوبة النصوح، ففي الحديث الشريف:

"التائبُ من الذنب كمن لا ذنبَ له".

فحينئذ تُرجَى المغفرة في هذه الليلة المباركة بشرط أن يكون العبد متمسِّكًا بالعقيدة الصحيحة، فإنَّ الله هو الغفور الرحيم، وهذه الطريقة للإصلاح وتسوية الخلافات والمنازعات بين الإخوة المسلمين، وطلب العفو من الحقوق؛ شائعة هنا في الواقع منذ فترة طويلة، فالرجاء منكم الدعوة إلى هذه الطريقة الجيّدة بين المسلمين، كي تكونوا مصداقًا لهذا الحديث الشريف:

"من سَنَّ في الإسلام سُنّةً حسنةً، فله أجرُها، وأجرُ من عمِل بها بعدَه، من غيرِ أن ينقُصَ من أجورهم شيءٌ"..

وأرجو منكم الدعاء لهذا الفقير (أي: لي) بالعفو والعافية في الدَّارَين والفقير يدعو لكم إن شاء الله عزَّ وجلَّ، لكن اعْلَموا أن المسامحة والعفو من أعماق القلب لا باللسان فقط. والسلام". (الفقير أحمد رضا القادري عفا الله عنه)

خلق العفو والتسامح سيرة السلف ومنهج الخلف:

يقول سيدنا أمير المؤمنين سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه:

"عليكم بالحِلْم والاحتمال حتى تُمكِّنَكم الفرصةُ فإذا أمكنتْكم فعليكم بالصَّفح والإفضال".

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: "وما ينفعُك أن يُعذِّب اللهُ أخاك المسلم في سببك؟!"

هذا هو منهج سلفنا الصالح في العفو والتسامح وهذه هي القِيَم الأخلاقية التي نتعلّمها من سيرتهم، وعلى ذلك يحثّ سيدي فضيلة الشيخ محمد إلياس العطار القادري حفظه الله تعالى مؤسّس مركز الدعوة الإسلامية مريديه خاصة، والمسلمين عامة، من خلال خُطَبه ومحاضراته الدعوية ومذكراته المدَنية بتوجيهاتٍ دعوية قيّمة عبر الأسئلة من عامة الناس..، وخصوصًا بمناسبة "ليلة النصف من شعبان" حيث يرغّبهم فضيلة الشيخ في غاية التسامح والعفو عن أخطاء الآخرين وزلَّاتهم وخَلق الأعذار لهم وردّ الحقوق إلى أصحابها بلطف ولِين وحُسن معاملة، بالإضافة إلى اجتناب كل الذنوب التي تَحجُب الرحمة والمغفرة في هذه الليلة المباركة، وذلك حرصًا عليهم كي لا تفوتَهم هذه الفرصة العظيمة التي يفيض الله تعالى بها على عباده ويُكرمهم بها وليُقبِلوا على الله في هذه الليلة العظيمة بقلوب صافية ونفوس زاكية وأرواح نقيّة، متبادلين للمودّة والألفة والدعوات بالمغفرة والرحمة فيما بينهم.. فيخرجون من هذه المواسم الطيبة بأجواء المحبة والأخوّة من بين ضجيج هذه الدنيا وهمومها..

ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول:

لَمَّا عَفوتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ
أرَحتُ نفسي من هَمِّ العَدَاواتِ
إنِّي أُحَيِّي عدُوِّي عند رُؤيته
لِأدفعَ الشرَّ عنِّي بالتحِيَّاتِ
وأُظهِر البِشرَ للإنسان أَبغَضُه
كأنَّما قد حشَى قَلبي مَحبَّاتِ
الناسُ داءٌ دواءُ الناس قُربُهم
وفي اعتِزالهم قَطعُ الْمَودَّاتِ

الحياة قصيرة والعفو خلق العظماء...!

أيها الأحبة الأكارم: الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء والتقصيرات التي يرتكبها بعضنا في حقِّنا أو في تغذية روح العداء بين الناس.. فعلينا أن نتعلّم العفو والتسامح عن كل مَن أخطأ في حقنا أو تسبَّب في زعلنا منه أو عاملَنا بقسوة أو فظاظة.. بل ونتقدّم بأنفسنا إلى الآخرين برسالة الاعتذار؛ لأن ذلك لا ينتقص من كرامة الإنسان بل يزيده عزًّا وحبًّا وكرامةً، كما قال رسول الله ﷺ:

"مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا.."

وللهِ درُّ مَن قال:

خُذِ العفوَ وأْمُر بِعُرفٍ كَمَا
أُمِرتَ وأَعرِضْ عن الجاهِلِين
ولِنْ في الكلامِ لكلّ الأنام
فمُستَحسَنٌ مِن ذَوِي الجاهِ لِين

نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في شهر شعبان وأن يرزقنا اغتنامه وخاصة ليلة النصف منه بكثرة الطاعات وفعل الخيرات والإكثار من الدعاء والالتجاء إليه؛ ليكون لنا نصيب من نفحات هذه الليلة العظيمة، وأن يوفّقنا للتوبة الصادقة والرجوع إليه لنحظى بحظٍّ وافر من بركات هذه الليلة المباركة.. إنه رحيم كريم منَّان..

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

للاطلاع على مثل هذه المقالات المفيدة ليس عليك إلا زيارة هذا الموقع
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية