رمضان تجارة رابحة | شيخ عبد الباسط


نشرت: يوم الإثنين،04-أبريل-2022

رمضان  تجارة رابحة

كان الحبيب ﷺ يبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان الكريم، ويذكّرهم بأنّه شهر مبارك، كتب الله تعالى علينا صيامه، فيه تفتح أبواب الجِنان، وتغلق أبواب الجحيم، وتُغلّ الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فلذلك كانوا يستبشرون بقدوم رمضان، ويفرحون به أشدّ من فرحهم بقدوم غائب، اقتداءً بفعله ﷺ، حيث كان يدعو ببلوغ رمضان من حين يدخل شهر رجب ويقول:

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان.

سنعيش من خلال هذه الكلمات مع عظمة هذا الشهر، وبركته، ونفحاته، سائلين المولى تعالى الفائدة والقبول، إنه سميع مجيب.

فوائد رمضان والصيام:

لم يأمرنا الباري عز وجل بعبادة إلا ولها فوائد لا يحصيها إلا هو سبحانه وتعالى، وللعبادة ثلاثة أنواع: بدنية: كالصلاة و الصوم ، ومالية: كالزكاة، وصدقة الفطر، و الأضحية ، ومؤلّفة من بدنية ومالية: كالحجّ والجهاد، والصوم عبادة بدنية ولها فوائد جمَّة منها:

ــ هناك أربعة أمور تتغيّر مع الصيام:

الصوم يهذب الغريزة:

إذ الصوم وما يصحبه من قلّة الطعام والشراب يضعف الغريزة الجنسيّة، ولذلك أوصى الحبيب المصطفى ﷺ الشباب بالصوم لمن لا يستطيع الزواج حيث قال:

يا معشر الشّباب! من استطاعَ منكم الباءة فليتزوّج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء.

وهذا ممّا يساعد على تحقيق الهدف من الصيام وثمرته وهي التقوى.

جهاد النفس وقهرها، ويعلِّم على الثبات والانتظام:

كما أنّ الصوم يُضعِف قيود الجسد وغريزة الجنس، فهو يقوّي المؤمن على مجاهدة النفس والشيطان، فالطعام والشراب يكون أمام الصائم ولا يقْربه ولو لحظة، وهذا من أبواب المجاهدة والسيطرة على متطلّبات النفس ومظهر من مظاهر التقوى، وقد سمّى النبي ﷺ جهاد النفس "الجهاد الأكبر":

قدمتم خير مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه.

لأنّ ذلك يصفِّي النفس، ويجعلها أهلا لقبول المنح الربّانيّة، والتجليّات الإلهيّة.

فمن ينتصر على نفسه يكن على غيرها أقدر، ومن أخفق في جهادها كان عمّا سواها أعجز، ولذلك نلاحظ أنّ أعظم المعارك والفتوحات الإسلاميّة كانت في شهر رمضان المبارك، مثل: فتح مكة، والقادسية، ونهاوند، وغيرها، فكان جهاد النفس مفتاح النصر على الأعداء، وإذا أحسن المسلمون الصيام سيتغيّر واقعهم، وتنهض أمّتهم.

بالصيام تضعف سيطرة البدن على الروح:

فالإنسان مخلوق من جسد، وبداخله نفخة ربّانية اسمها "الروح"، بخلاف الملائكة فهي مخلوقة من نور فقط، وبخلاف الجنّ المخلوقين من نار فقط، فعندما يقلّل المرء من الطعام والشراب تسمو روحه إلى بارئها، والروح دائمًا تسمو وتتغذّى بمختلف العبادات، والطاعات، والأذكار، بخلاف الجسد الذي يتغذّى على الطعام والشراب.

وفيه أيضًا فائدة للروح والجسد معًا: كما في الحديث:

للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه.

وفي رواية أخرى:

(لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم).

الفوز بالصحبة الصالحة ومحبة الصالحين:

فالصائم يخرج لصلاة العِشاء و صلاة التراويح ، فيكسب الصحبة الصالحة من ذهابه إلى المسجد يوميًّا، ويقوّي في النفس حبّ الصالحين، ولا شكّ هذا من معينات التقوى التي شُرِع الصوم من أجلها.

البَشارة لمن صاموا حقًّا:

عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه:

إنّ للصّائمين بابًا في الجنّة يقال له: الرَّيّانُ، لا يدخل منه غيرهم، إذا دخل آخرهم أُغلق، من دخل منه شرب، ومن شرب منه لم يظمأْ أبدًا.

مغفرة الذنوب والنجاة من النار:

فمن استطاع الصوم الحقيقي فليفعل وله من الله تعالى مغفرة ذنوبه، ومن لم يستطع فعليه قيام الشهر محتسبًا وله المغفرة أيضًا، فمن لم يستطع فأمامه قيام ليلة القدر، أي: يجتهد في العشر الأواخر حتى يصيب هذه الليلة فيفوز بمغفرة الله تعالى أيضًا:

كما قال رسول الله ﷺ:

من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم مِن ذَنْبِهِ.

وفي رواية:

من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.

وفي رواية أخرى:

ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله عز وجل إلا بعَّد الله عزّ وجلّ بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا.

ينقي الجسد من الأمراض والسموم والفضلات المتراكمة طيلة العام:

قال بعض الأطباء: عالجت نفسي كثيرًا من المرض، فما وجدت أشدّ تأثيراً من الحميّة، وقلة الطعام ويشهد لذلك: صوموا تصحّوا.

وعن محمد بن اليمان السمرقندي رحمه الله تعالى

قال: إنما اخترت صوم الدهر بما سألت ستة نفر عن ستة أشياء فأجابوني كلّهم بجواب واحد: سألت الأطباء عما يعين على الدواء والتأثير، وسألت الحكماء عما يساعد على قوّة الذاكرة، وسألت العبّاد عما يساعد على العبادة، وسألت الزهّاد عما يعين على فهم المسائل، فكلّهم قالوا: خفّة الطعام، وسألت الملوك عن أطيب الطعام، فقالوا: الجوع وقلة الأكل.

كفُّ الجوارح عن المعاصي:

إذا صام الرجل كفّت الجوارح عن المعاصي؛ لأنّ النفس إذا شبعت تكبّرت، وطغت، وإذا جاعت ذلّت ورجعت إلى الحقّ، قال بعضهم: ورد أنّه لما خلق الله تعالى النفس، أوقفها بين يديه، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت أنت وأنا أنا، فأمر الملائكة أن يغمسوها ببحر الجوع، ثم أوقفها بين يديه فقال: من أنا؟ قالت: أنت الله الذي لا إله غيرك.

ومن فوائد الصوم تذكّر بالفقراء:

روي أنّ سيدنا يوسف عليه السلام، لَمّا كان على خزائن الأرض كان لا يأكل ولا يشرب حتى يشتدّ به الجوع!! فسئل عن ذلك، فقال: حتى لا أنسى الجائع.

والسؤال الآن ما هي ثمرة الصيام الحقيقيّ؟

في الحقيقة أن الباري عزّ وجل لم يفرض على الأمّة الصيام لمجرّد الجوع والعطش، بل الجواب نسمعه من خلال الآية الكريمة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣﴾.

فالهدف والثمرة المرجوّة من الصيام هي التقوى، فمن صام ولم يزدد تقواه فكأنّه لم يصمْ الصوم الحقيقي، ومن التقوى أنّنا بعد رمضان نحرص أن يرانا ربّنا تبارك وتعالى مشغولين بما أمرنا به، وبعيدين على قدر الإمكان عمّا نهانا عنه، حتى نقي أنفسنا من عذابه.

ثواب من صام حقا والعطاء الربّاني:

تقدّم الكلام أنّه من صام إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه، وكذلك هناك ميّزة أخرى وثواب من نوع آخر يتفضّل به الباري عزّ وجلّ للصّائمين فلنستمع إليه من كلام الحبيب المصطفى ﷺ:

إنّ في الجنّة بابًا يقال له "الرّيّان"، يدخل منه الصّائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصّائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أُغلق فلم يدخل منه أحد.

للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربّه.

وهناك متمّمات للصيام يجب على المسلم الحريص على دينه وعبادته مراعاتها ومن أهمها:

يُطلب من الصائم أن لا يترك الصلاة، لأننا نشاهد الكثير في مجتمعنا الإسلامي من يصوم ولا يصلي!! وهذا خطأ فاحش؛ لأن الصلاة لها أهمية بنظر الشرع بل هي عمود إسلام المسلم:

﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٣١﴾.

فهي عماد الدين وعليها مدار الأمر، وهي سبب الفوز بقبول سائر الأعمال:

إنّ أوّل ما يُحاسب به العبد بصلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.

وينبغي على الصائم أن يجتنب المعاصي بالكليّة: فلا يترك الطعام والشراب فقط، بل لا بدّ له من اجتناب الكذب، والغيبة، والنميمة، والنظر الحرام، وأكل مال الحرام، والكلام البذيء بكل أشكاله

(من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه).

واللفظ لأبي داود رحمه الله تعالى:

الصيام جُنّة فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إنّي صائم، إنّي صائم.

ومن متمّمات الصيام إشغال المرء أوقات فراغه بالذكر وليس على الجوّالات، أو مواقع التواصل بما لا يفيد، أو على القنوات الفضائية، فهذا ليس من شأن المسلم العاقل الحريص على دينه، ووقته،

(ذاكر الله في رمضان مغفور له، وسائل الله فيه لا يخيب).

أيها الإخوة الكرام:

شهر رمضان شهر عظيم، فرض الله تعالى صيامه على المسلمين، غنيّهم، وفقيرهم، ورئيسهم، ومرؤوسهم، فمن لبّى الدعوة فقد أفلح وربح، ومن أعرض فقد خاب وخسر.

اللهم أعنّا على الصيام والقيام، صلّوا على الحبيب، اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربّ العالمين.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية