شهيد القرآن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه | الشيخ علاء زيات


نشرت: يوم الجمعة،18-نوفمبر-2022

شهيد القرآن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد: ما زلنا مع ثالث الخلفاء الراشدين، صاحب الحياء الكبير، "ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه".

سفير رسول الله ﷺ:

في الحديبية لما نزل الرسول ﷺ فيها، أرسل سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ليُخبِرهم بقصد رسول الله ﷺ، وقال له: أخبرهم أنّا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عُمّاراً، وادعهم إلى الإسلام، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشّرهم بالفتح، وأن الله عز وجل مظهر دينه بمكة.

فانطلق سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه فمر على قريش بـ"بَلْدح"

فقالوا: إلى أين؟، فقال: بعثني رسول الله ﷺ أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ويخبركم: أنه لم يأت لقتال، وإنما جئنا عُمّاراً..

فقالوا لسيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه: إن شئتَ أن تطوف بالبيت فطف؟ قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ﷺ.

وهنا وقعت المصيبة إذ احتبست قريش سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه عندها، فتأخّر في الرجوع إلى المسلمين، فخاف عليه الحبيب المصطفى ﷺ، خاصة بعد أن شاع أنّ قريشاً قتلته، فدعا النبي ﷺ المسلمين إلى البيعة تحت الشجرة، فبايعوه على أن لا يفرّوا، فكانت بيعة الرضوان حمية وانتصاراً لدم سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه، فنزل قول الله تعالى:

﴿ لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ١٨﴾

توليه الخلافة:

بعد استشهاد سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، بويع سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه بالخلافة، فروي: أن الناس كانوا يجتمعون في تلك الأيام إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه يشاورونه ويناجونه فلا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بسيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه أحدًا، ولما جلس سيدنا عبد الرحمن رضي الله تعالى عنه للمبايعة حمد الله وأثنى عليه، وقال في كلامه: إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان رضي الله تعالى عنه

وبعد أن بويع رضي الله تعالى عنه قام في الناس خطيباً فقال: أمَّا بعد: فإنِّي حمّلت، وقد قبلت، ألا وإنِّي متَّبعٌ، ولست بمبتدعٍ، ألا وإنَّ لكم عليَّ بعد كتاب الله عز وجل، وسنَّة نبيه ﷺ ثلاثاً: اتّباع مَن كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم، وسنّ سنة أهل الخير فيما لم تسنّوا عن ملإ، والكفّ عنكم إلا فيما استوجبتم، وإن الدّنيا خضرةٌ وقد شُهّيتْ إلى النَّاس، ومال إليها كثيرٌ منهم، فلا تركنوا إلى الدّنيا ولا تثقوا بها، فإنَّها ليست بثقةٍ، واعلموا أنَّها غير تاركةٍ إلا من تركها

استمرت خلافة سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه اثني عشرة سنة، وكانت خلافته مليئة بالإنجازات منها:

1- الاعتناء بالقرآن الكريم: أمر بنسخه إلى عدة نُسَخ، وإرسالها إلى مختلف الأمصار.

يروي سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه بداية القصة:

أن سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قدِم على سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه، وكان يغازي أهل الشأم في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع سيدنا حذيفةَ رضي الله تعالى عنه اختلافُهم في القراءة، فقال سيدنا حذيفة رضي الله تعالى عنه لسيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه: "يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى".

فأرسل سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه إلى سيدتنا حفصة رضي الله تعالى عنها: أن أرسلي إلينا بالصحف، ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك، فأرسلت بها سيدتنا حفصةُ رضي الله تعالى عنها إلى سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله تعالى عنهم، فنسخوها في المصاحف، وقال سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه للرهط القرشيين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم" ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحفَ في المصاحف ردَّ سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه الصحفَ إلى سيدتنا حفصة رضي الله تعالى عنها، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق

2- فتحه العديد من البلدان: اتسعت مساحة الدولة الإسلامية في عهده عندما وقع الفتح الأرمني في عهده، ومن البدان التي فتحت في عهده: أرمينيا، وقبرص، وطرابلس، وأجزاء من إفريقيا.

3- العناية بالمساجد: فقد قام بتوسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي.

4- قام بإنشاء أول أسطول بحري للمسلمين.

استشهاده رضي الله تعالى عنه:

عن سيدنا أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال:

كنتُ مع النبي ﷺ في حائط من حيطانِ المدينةِ ... ثم استفتح رجلٌ فقال لي: "افتحْ له وبشّره بالجنة على بَلْوَى تُصِيبُهُ، فإذا عثمان رضي الله تعالى عنه، فأخبرته بما قال رسولُ اللهِ ﷺ، فحمد الله، ثم قال: الله المستعانُ"

حاصر الخوارج دار سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه فعرض عليه الصحابة رضي الله عنهم أن يدفعوا عنه، وأن يقاتلوا دونه، فأبى رضي الله تعالى عنه، وأمرهم بالانصراف عنه، طاعة لرسول الله ﷺ فيما عهد إليه، وحتى لا يتسبّب في قتل أحد من المسلمين.

صلى سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه صلاة الصبح ذات يوم، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: "إني رأيتُ أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما أتياني الليلةَ فقالا لي: صُمْ يا عثمان! فإنك تفطر عندنا، وإني أُشهِدكم أني قد أصبحتُ صائمًا، وإني أعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخرج من الدار سالمًا مسلومًا منه". ثم دعا بالمصحف فأكبَّ عليه رضي الله تعالى عنه ما طوى المصحف، وقتلوه وهو يقرؤه

وقد استشهد رضي الله تعالى عنه سنةَ خمسٍ وثلاثين، وقد جاوز الثمانين من عمره، ضحى بنفسه، وقُتل شهيدًا مظلومًا، فقد ذكر النبي ﷺ فتنة ثم أشار إلى سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه فقال ﷺ:

"يُقتل هذا فيها مظلومًا"

وروت السيدة عائشة أم المؤمنين أن النبي ﷺ قال:

يا عثمان! إنه لعل الله يقمّصك قميصًا، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعْه لهم

رضي الله عن صاحب الحياء العظيم، رضي الله عن شهيد القرآن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين..


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية