هل الدينُ شأنٌ شخصيّ خاص بالفرد؟ | الشيخ محمد قاسم العطاري


نشرت: يوم الإثنين،30-أكتوبر-2023

هل الدينُ شأنٌ شخصيّ خاص بالفرد؟

نَرى في الوقت الحاضر أن بعض الناس يُحاولون تعميمَ فكرةٍ بين الناس بأن الدينَ شأنٌ شخصيّ عند الجميع، لا يليقُ أن نقول لأحد شيئًا بهذا الخصوص، فليفعلوا كما يشاؤوا، فهذه مسألةٌ بينهم وبين ربّهم سبحانه وتعالى، فلو رأيت أحدًا يتجوَّل مع النساء الأجنبيات في الحدائق العامة أو أنه يشرب الخمرَ أو يَسمع الأغاني ويرتكب المعاصي والمحرمات إلخ..، فليس لك أن نتدخل في شؤونه الشخصية، ولا يجب عليك نصحهم أو التدخل بسلوكهم وأخلاقهم، بل يجبُ عليك أن تهتمّ بنفسِك فقط؛ هذه فكرة باطلة ليست من الدين في شيء.

أيُّها الإخوة! إن توعية الناسِ وإسداءِ النصح لهم وبذل الجهد في إصلاحهم للتوقّف عن معصية الله تعالى لا يُسمَّى تدخلاً في شؤون الآخرين، بل هذا من الدين ومن عمل الخير، فمن أحبّ الأشياء للشيطان أن يترك الناسُ الدعوة إلى الله ليسهل دعوتهم للشر؛ لأن الشيطانَ يأمر بالشر، وهو يتمنَّى أن تستمرَّ دعوةَ الشر وتتوقف دعوةُ الخير.

هذه الفكرةُ انتشرت بين الناس في العالم باسم الحرية والتنوير وما إلى ذلك كيلا يُمنع أحدٌ عن المعاصي، وهذه الفكرةُ دخلت على المسلمين من الغرب، حتى قيل لهم اُتركوا الدينَ في بيوتكم، بدعوى أن الدينَ أمر شخصي خاص بالإنسان نفسه، ويمكنه ممارسته في بيته كما يريد دون أن يدعو إليه أحدًا من الخارج، وعليه أن يترك الناسَ بحالهم، فتسرَّبت هذه الفكرةُ مع الأسف إلى المسلمين وأثرتْ في أفكارهم وسلوكهم، وعلى سبيل المثال إذا ذهب أحدٌ إلى بلادٍ غير إسلامية للنُّزهة، فسيرى الناس يفعلون ما يريدون، من يريد الصلاةَ يُصلّي، ومن يريد الخمرَ يشربها، ومن يريد الذهاب إلى المسجد يذهب إليه، ومن يريد الذهابَ إلى الكازينو أو النادي فيمكنه ذلك، فلا يمنع أحدٌ غيرَه مِن هذا أو ذاك، الجميعُ يفرَحون بحجة أنَّهم يعيشون في بيئة سلمية، ويتمتَّعون بحرية تامَّة ليعيشوا في عالَمهم الخاص، ثم يتبادلون تجاربَهم الشخصية مع الآخرين بأسلوب التفاخر، ولكننا باعتبار أننا مسلمون فسنُلقي نظرة على هذا الأمر، إلى ماذا يُوجِّهنا ديننا في هذا الصدد؟ إذا كان الخمرُ يُشرب وتزداد الرذائلُ وتنتشرُ أوكارُ القمار ويشيعُ الفسقُ والفجورُ وتكثرُ المعاصي فهل خُيِّرنا في مثل هذه المواقع بين محاولة المنع أو التزام الصمت أم ماذا نتصرَّف في هذا الصدد؟

جوابُ ذلك أن أحكامَ القرآن والسنة واضحة جدًّا فيما يتعلق بهذه الأمور، إن الله تعالى خاطبنا في القرآن الكريم من حيث الأمَّة فقال:

كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ [آل عمران: 110]

هذا يدل على أن الدعوة إلى الخير والمنعَ من الشر فريضة للأمَّة، لا يجوز تركُها بأي حال من الأحوال، وكذا قال الله تعالى في مقام آخر:

وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ [آل عمران: 104]

ويتضح من هاتين الآيتين أنَّنا إذا رأينا شخصًا يرتكب المعاصي فسكتنا رغم قدرتنا على المنع فنكون قد أثمنا، والله تعالى ذكر لنا وعيدًا صارمًا عن لأمم السابقة بسبب التخلّي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث قال:

لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ [المآئدة: 78]

وذكر القرآن الكريم جريمة من الجرائم التي لعن الله تعالى عليها الأمم السابقة:

كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ [المآئدة: 79 ]

فحين توغَّلوا في الشرِّ والمعصيةِ والطغيانِ والعصيانِ وانصرفوا عن الله تعالى، وزادوا على ذلك بأنهم لم يشعُروا بالخجل والندامة، على ما وقعوا فيه، بل كان كل واحد منهم مشغولًا بعمله الخاص، ويقول: سأهتمُّ بنفسي ولا حاجة للتدخل في شؤون الآخرين الشخصية، كل واحد مسؤول عن عن عمله، وأنا مسؤول عن نفسي، وهو لن يدخل في قبري وكذا لن أدخل في قبره، فذكر الله تعالى سلوكياتَهم باعتبارها جريمة:

فقال:

كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ

وقال:

عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ

يعني أن الشر والفساد كانا موجودَين في مجتمعهم ولكنهم لم يكونوا ينكروا ذلك، ولأجل هذا لعنهم الله على لسان نبيَّين عليهما السلام، فقال:

لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ

وهكذا وصفَ الله في موضع آخر من القرآن الكريم جرائمَ علماء بني إسرائيل ودراويشهم، وذكر سبب الغضب واللعن والعذاب عليهم، وكان من قائمةُ جرائمِهم ما ذكره الله فقال:

لَوۡلَا يَنۡهَىٰهُمُ ٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ عَن قَوۡلِهِمُ ٱلۡإِثۡمَ وَأَكۡلِهِمُ ٱلسُّحۡتَۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ [المآئدة: 63].

كان سببُ توبيخِ الله تعالى لهؤلاء أن علماءهم أهل الظاهر أعني: الفقهاء، وعلماءهم أهل الباطن أعني: من جمع بين الظاهر والباطن من أهل الفقه والزهد وسلوك التعبّد لم يمنعوا قومَهم، وهذا واضح من قول الله تعالى

قَوْلِهِمُ الْاِثْمَ

و

اَكْلِهِمُ السُّحْتَ

فيا تُرى ما هو الطعام الحرام؟

إنه اعتيادهم على الربا، والرشوة، والخيانة، والغش، والخداع، وعدم التفريق بين الحلال والحرام.

وما هو قول الإثم؟ إنه الكذبُ، والغيبةُ، والافتراء على الآخرين، والسبُّ والشتم والقول البذيء، فهذه المعاصي قد عمَّت بينهم ولكن علماءهم وعبّادهم كانوا صامتين، ونتيجة لذلك استحقوا عذابَ الله تعالى.

لذلك هذه اللامبالاة غير جائزة في الدين الإسلاميّ، ولا يجوز أن تكون الفاحشة منتشرةً بين الناس تُنتهَك حقوقُ الله تعالى وحقوق العباد، ولكن السطحيين يقولون تلبية لما تريده الليبرالية أن الدينَ أمر شخصي لا ينبغي أن يتدخل أحد في شأن أحد بسببه، ولسنا بحاجة للإصلاح ولا النصيحة لأحد، بل علينا أن نهتم بأنفسنا فقط، وبهذا نكون قد عرفنا أن هذه الفكرة ليست إسلاميةً أبدًا، بل إنها تخالف القرآن الكريم والحديث بكل وضوح، اللهم اجعلنا مُبلِّغين حقيقيّن لدين الإسلام. آمين.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية