دور التسامح في بناء المجتمع الإسلامي | محمد سجاد أنجم القادري


نشرت: يوم الجمعة،24-نوفمبر-2023

دور التسامح في بناء المجتمع الإسلامي

التسامح هو مفتاح النجاح والسعادة في الحياة، ويُعتبر التسامح مفهومًا أخلاقيًا وقيمة إنسانية هامة جدًا في العلاقات الإنسانية، وهو عبارة عن التعامل بحكمة مع الآخرين، وتجاوز العيوب والأخطاء، وعدم الرد بالانتقام والضغينة، من خلال التسامح يمكننا كسب قلوب الناس وإزالة الظلم والجور عنهم، والتسامح يعني أن نعفو عمّن ظلمنا أو أساء إلينا وأن نصلح العلاقات ونتجاوز السلبيات بالمعروف والإحسان، ويجدر بالذكر أن التسامح لا يُفهم على أنه ضعف، بل هو من مظاهر القوة والشجاعة والكرم.

التسامح في اللغة والإصطلاح:

مفهوم التسامح لغة هو: التساهل واللطف في المعاملة، والصبر على المكروه، والانشراح في المخاطبة، كما جاء في لسان العرب: والمسامَحة: المساهَلة، وتَسامحوا: تَساهَلوا. [مادة (س.م.ح) في لسان العرب لابن منظور، ص (2888)]

أما اصطلاحًا فيقول السيد الشريف الجرجاني رحمه الله تعالى في تعريف السماحة: هي بذل ما لا يجب تفضّلاً [معجم التعريفات، صـ 105]

ويقول العلامة المناوي رحمه الله تعالى: المسامحة ترك ما لا يجب تنزها [التوقيف على مهمات التعريفات: صـ 181]

ويجدر التنبيه هنا إلى أن مصطلح التسامح مصطلح علمي ويقصد به عند علمائها التساهل والصفح عمن أساء إلى المرء في غير حق، أو تجاوز حدود حقوقه، أو اختلف معه في رأي أو فكر.

فإن التسامح يعكس روح الإنسانية والإيمان الموجودة في كل نفس، وأوصى بها ربنا في كتابه العزيز وسنة نبيه المصطفى ﷺ فالله تعالى يقول:

فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ [البقرة: 109].

إن الإنسان مخلوق ضعيف مجبول على الخطأ والنسيان، يخطئ ويصيب، ولا يستطيع أن يعيش في جزيرة منعزلة عن باقي البشر، لذلك يجب عليه أن يتقبل الآخرين كما هم، مع أخطائهم وصوابهم.

ومن المفاهيم الهامة في التسامح في الإسلام هو "العفو"، يحثّ المسلمين على العفو عن الآخرين وعدم الانتقام، بل بالعكس، يدعو إلى الإصلاح وإحداث التغيير الإيجابي بالرفق والمحبة.

التسامح في القرآن والحديث:

وقد حثّ القرآن الكريم على التسامح في كثير من الآيات، وبين فضله وثوابه، ومن هذه الآيات قوله تعالى:

• ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ٩٦ [المؤمنون: 96].

• كذا قوله تعالى:

خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ ١٩٩ [الأعراف: 199]

• وكذا قوله تعالى:

فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٨٩ [الزخرف: 89]

وهناك أحاديث كثيرة عن الرسول ﷺ تدلّ على التسامح في الإسلام ومنها:

* عن سيدنا عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: رسول الله ﷺ:

ارْحمُوا تُرحَمُوا، واغْفِرُوا يُغفَرْ لكُمْ (مسند أحمد: 2/565 (6552))

* وكذا ورد عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

(لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أَوَلاَ أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) (صحيح مسلم: صـ 51، (194)).

* عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال:

(ما نقصَتْ صَدَقَة مِنْ مالٍ وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عِزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله) (صحيح مسلم: صـ 1071 (6592))

خلق العفو والتسامح هو أحد الأخلاق النبوية الشريفة والمصدر الإلهامي للمسلمين في تحقيق السلام والتفاهم في زمن التعقيدات والنزاعات، ورسول الله ﷺ كان قدوة في العفو والتسامح، يتجاوز عن أذى الأعداء ويسامحهم، وحتى في أصعب الأوقات لم ينتقم من أحد، يجب أن يكون خلق العفو والتسامح من حياة الرسول ﷺ قدوة لنا جميعًا، ونحن نتبع أخلاقه الرفيعة في التعامل مع الآخرين.

العفو عن أهل الطائف: وهذا مشهد عظيم يظهر لنا رحمة رسول الله ﷺ وعفوه عمّن أساء إليه كما حصل معه في رحلته إلى الطائف، حيث ذهب ليدعو قبيلة ثقيف إلى الإسلام، بعد أن تعسر عليه دعوة قريش، فلم يستجب لدعوته سادات ثقيف، بل استهزؤا به وأساؤوا إليه، وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم، فلاحقوه بالسب والشتم والحجارة، حتى دمت قدماه ﷺ، فأصابه من الحزن والأسى ما لا يطيقه إلا نبيٌ من أنبياء الله، ولكن لم ييأس ولم يستسلم، بل رفع يديه إلى السماء ودعا بدعاء مؤثر، فأجاب الله دعاءه، وبعث إليه جبريل عليه السلام، ومعه ملك الجبال، فقال له: يا رسول الله! إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، أي الجبلين. فما كان من رسول الله ﷺ إلا أن قال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا.

هذه هي غاية رسول الله ﷺ وعفوه عمن ظلموه وآذوه، فكان يرجو لهم الهداية والإسلام، ولا يدعو عليهم بالهلاك والعذاب.

فكان ﷺ يصبر على أذاهم، ولا يجزع من كيدهم، بل يحارب شرورهم بجميل أخلاقه، حتى على من كانوا يعادونه ويحاربونه، فكان ﷺ يرد السوء بالحسنة، ويعفو عن الظالم، ويصفح عن المخطئ.

العفو عن أهل مكة: من أعظم المواقف التي تبين عظمة خلق العفو والتسامح في سيرة النبي ﷺ وهذا ما حدث له عندما فتح مكة، بعد أن هُجّر وأخرج منها وقد تعرض لأشد الأذى والإساءة من قبل قريش، فلما دخل مكة غالبًا منصورًا، ورأى أهلها خائفين مذعورين، لم ينتقم منهم لما فعلوا به وبأصحابه، بل قال لهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟، فقالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال لهم: أقول كما قال أخي يوسف:

لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ [يوسف: 92]

ثم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

وبهذا العفو والتسامح، كسب رسول الله ﷺ قلوب أهل مكة، ودخلوا في دين الإسلام جماعات وفرادى، وكان هذا العفو سببًا في انتشار الإسلام في الجزيرة العربية، وإزالة الشرك والجهل منها.

وبناءً على هذا المفهوم يجب أن يسير المسلمون متبعين هدي النبي محمد ﷺ الذي كان أفضل قدوة في التسامح والعفو والرحمة.

دور التسامح في بناء المجتمع الإسلامي:

للتسامح دور كبير في بناء المجتمع الإسلامي حيث يجعله متآلفًا متحابًّا، ويقوّي روابط التعاون والتكافل بين أفراده كما قال تعالى:

وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ [المائدة: 2]،

كما أنه يحمي المصالح العامة ويحل المشاكل والنزاعات، وينشر الأمن والسلام.

جميع تعاليم الإسلام تحثّ المسلمين على أن يكونوا متسامحين ومتفهمين للآخرين، وذلك بالاستماع والتعامل بلطف وعدل واحترام.

في الختام! يجب على المسلمين اعتماد التسامح كقيمة أساسية في حياتهم لبناء المجتمع الإسلامي، يستمدون قوتهم وتوجّههم من القرآن والحديث والتاريخ الإسلامي، يعملون على نشر روح التسامح والمحبة والتعايش السلمي، فإن التسامح هو المفتاح لتحقيق السلام والتقدم، وهو طريق يؤدّي لرضى الله سبحانه وتعالى والفلاح في الدنيا والآخرة.

اللهم اجعلنا من أهل التسامح والعفو، واجعلنا نبني العلاقات بالمودة والرحمة، واجعل التسامح مصدرًا للسعادة والراحة في حياتنا. آمين يا رب العالمين، بجاه خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية