مدونات مختارة
الأكثر شهرة
خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ (الجزء الأول) | الشيخ عبد الباسط محمد
لقد أفاض الله عَزَّ وَجَلَّ على رسوله ونبيه ﷺ بخصائص كثيرة، وأكرمه بإكرامات جليلة، ممّا يدل على عظيم قدره وعلو منزلته عند ربه، ومن ذلك أنه خاتم النبيين وسيد المرسلين، فلا نبي بعده، قال تعالى:
"مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا". (الأحزاب: 40)
وقد ختمت به النبوة؛ لأنّه شرع له ﷺ ما ينطبق على مصالح الناس في كل زمان ومكان، فالقرآن ما ترك مصلحة من المصالح إلا جلّاها، ولا فضيلة من الفضائل إلّا أحياها، فتمّت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين، كما أخبر القرآن الكريم أن النبي ﷺ هو خاتم المرسلين حين قال:
"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ". (آل عمران: 144).
في هذه الأسطر ومن خلال جزئين في مجلة نفحات المدينة سنبيّن بالدليل القاطع من الكتاب والسنة، أنه لا نبي ولا رسول بعد سيدنا محمد ﷺ.
في البداية علينا العلم بأنّ ادعاء النبوة من أظلم الظلم، وأعظم الافتراء والكذب على الله تعالى، فلا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً ممّن افترى على الله كذباً، ولقد قرر القرآن الكريم أنّ هذا الافتراء من صفات الكافرين المكذبين، الذين لا يؤمنون بآيات الله تعالى، ومن ثم فلا أحد أشدّ عقوبة منهم، فقد توعد الله تعالى من ادّعى النبوة بالعذاب المهين.
يقول تعالى: "
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ". (الأنعام: 21)
أي: لا أظلم ممن تقوّل على الله، فادّعى أن الله أرسله، ولم يكن أرسله، ثم لا أظلم ممّن كذب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته "إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ". أي: لا يفلح هذا ولا هذا، ولا المفتري، ولا المكذب. (تفسير ابن كثير: 3/220).
يتابع ابن كثير رحمه الله لآية ختم النبوة: فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة". (تفسير ابن كثير: 3/302)
بشارة أهل الكتب بنبوة خاتم النبيين ﷺ:
فالأنبياء أُمروا بأن يُبشِّروا وأنْ يُبلغوا أقوامهم برسول يأتي، وكذلك أُمُر النبي ﷺأن يَبلِّغ قومه أنّه خاتم الأنبياء والرسل، وكانت البشارات بمقدم الرسول ذائعة ومنتشرة قبل بعثته، وكان الذي يتولّى إذاعتها ونشرها أهل الكتاب من اليهود والنصارى، زعماً منهم أنهم سيتابعون صاحبها عند بعثته، فقد كان الأوس والخزرج إذا وقع بينهما وبين اليهود خصومة قال لهم اليهود: إنّ نبيًا مبعوثٌ الآن قد أطلّ زمانه سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. (فقه السيرة للبوطي: 171)
ورأينا (النجاشي) يعلِّق على ما سمعه من القرآن وترجمته لحياة عيسى ابن مريم بقوله: [إنّ هذا والذي جاء به عيسى بن مريم ليخرج من مشكاة واحدة] وهذا يؤكد ما هو بديهي من أنّ الأنبياء كلهم إنّما جاؤا بعقيدة واحدة لم يختلفوا حولها، ويؤكد لنا أنّ اختلاف أهل الكتاب فيما بينهم ليس إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، كما أخبر الباري عزّ وجل. (فقه السيرة للبوطي: 142)
وعندما جاء وفد من نصارى الحبشة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فجلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واطلعوا على صفاته وأحواله آمنوا كلهم وكانوا بضعة وثلاثين رجلاً فأهل الإنجيل يؤمنون به ويسيرون على هديه؛ لأن الإنجيل يأمرهم باتباع الرسول ﷺ من بعد عيسى عليه السلام ويتحدث عن صفاته وميزاته
" وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِينَ" (القصص: 53)
أي: إنّا كنّا مسلمين ومؤمنين بهذا الذي يدعو إليه محمد ﷺمن قبل بعثته لأنه ممّا يدعو الإنجيل إلى الإيمان به، وهذا هو شأن من تمسك تمسكاً حقيقياً بما جاء به عيسى عليه السلام أو بما جاء به موسى عليه السلام إذ الإيمان بالإنجيل والتوراة يستدعي الإيمان بالقرآن وبسيدنا محمد ﷺ ولذلك أمر الله رسوله أن يكتفي من دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام بمجرد مطالبتهم بتطبيق ما في التوراة أو الإنجيل الذي يدّعون الإيمان بهما فقال جلّ جلاله:
" قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَسۡتُمۡ عَلَىٰ شَيۡءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ". (المائدة: 68) (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 13/272) ـ و(نفس المصدر: 6/181).
وهذا يقتضي التأكيد على أنّ الدين الحق واحد لم يتعدد منذ خلق آدم عليه السلام إلى بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنّ كلمة الأديان السماوية التي يستعملها بعض الناس كلمة لا معنى لها، نعم هناك شرائع سماوية متعددة وكل شريعة سماوية ناسخة للشريعة التي قبلها، ولكن الدين واحد. (فقه السيرة للبوطي: 144-145)
وبشَّر عيسى عليه السلام برسول الله، في قوله تعالى:
"وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ" (الصف: 6)
فإن قيل: إن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ينزل آخر الزمان وهو رسول؟ فالجواب: أنه لا ينزل على أنه رسول مجدِّد؛ بل ينزل على أنه حاكم بشريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأن الواجب على عيسى، وعلى غيره من الأنبياء عليهم السلام الإيمانُ بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى:
"وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ". (آل عمران: 81).
ونزول عيسى عليه السلام ثابت بأحاديث كثيرة منها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
(والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد). (صحيح البخاري: 2222)
وهذا الرسول المصدق لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما صحَّ ذلك عن ابن عباس وغيره بدليل:
"مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا". (الأحزاب: 40)
قال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة: "فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإنّ كل رسول نبي ولا ينعكس. (تفسير ابن كثير: 3/302)
وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله ﷺمن حديث جماعة من الصحابة"
إجماع الأمة على أنّه ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين:
أجمعت الأمة الإسلامية على أن رسول الله محمد ﷺ خاتم النبيين ولا نبي بعده، ولكننا بين حين وآخر نسمع عمن اغترّ بنفسه، ووسوست له الشياطين بأنّه نبي، وأغرب ما في الأمر هو تصديق هؤلاء لأنفسهم ومتابعة بعض الناس لهم على الرغم من سطحيّتها وتفاهتها.
والمعرفة بالشريعة تُحِيل أن يكون نبي بعد محمد ﷺ ولكنّ هؤلاء الدجاليين الكذّابين يحرّفون الكلم عن مواضعه، ويؤولون القرآن والأحاديث بتأويلات فاسدة ليضلوا الناس الجهلاء، ويغروا الناس الضعفاء بالمال تارة، وبالجاه تارة أخرى، فنسوا أمر الآخرة وتمسكوا بالدنيا الفانية.
قال الإمام الغزاليّ رحمه الله تعالى: [إنّ الأمّة فهمت بالإجماع من هذا اللفظ ـ أي لا نبيّ بعدي ـ ومن قرائن أحواله عدم مجيء نبيّ بعده أبداً، وعدم رسول أبداً وأنّه ليس فيه تأويل ولا تخصيص، فمنكر هذا لا يكون إلا منكر الإجماع]. (الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي: 137)
وأدلة ذلك من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح سنسوقها في الجزء الثاني من هذا البحث في العدد القادم من هذه المجلة بعون الله تعالى.
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية
تعليقات