النهي عن قتل النفس بغير الحق | الشيخ محمد عمران العطاري


نشرت: يوم الإثنين،23-ديسمبر-2024

النهي عن قتل النفس بغير الحق

إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ [آل عمران: 19]

حياة الإنسان غالية وعزيزة في الإسلام، ويَعتبِرُ الإسلام قتل النفس بغير الحق من أكبر الكبائر، فكما نهى عن المحرمات، نهى عن قتل النفس بغير حق، وبالغ في النهي عن ذلك.

قال الله تعالى في محكم تنزيله:

وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ [الأنعام: 151].

وقد علّمنا الإسلام أن قتل نفس بغير الحق كقتل الناس جميعا، وأن هذا القاتل يتعدى على حقوق الله، وعلى حقوق العباد، وعلى الحدود الشرعية.

وعلّمنا بأن مَن أنقذ نفساً مِن القتل، أو مِن الغرق، أو من الحرق، أو من ضياعها بالجوع، وغيره من أسباب الهلاك فكأنما أنقذ البشرية جمعاء.

فقد قال الله تعالى:

كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ [المائدة: 32].

وهذا الحكم ينطبق على المسلمين أيضاً كما ينطبق على بني إسرائيل؛ فالأحكام التي وردت عن الأمم السابقة، ووصلت إلينا صحيحة دون مخالفة أو نسخ شرعنا لها، فنحن أيضاً مكلفون بها، وهذه الآية تعبّر عن تعاليم الإسلام الصحيحة، وهي أن الإسلام هو دين السِلم والسلام، وهو يُقدّر الحياة الإنسانية تقديراً بالغاً.

وهذا ردّ بليغ على الذين يغضون أبصارهم عن هذه التعاليم، ويُشِيعون أن الإسلام دين حرب وقتال.

قال تعالى في بيان العقوبة الأخروية لمن قتل مسلمًا بغير حق:

وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمٗا [النساء: 93].

ويمكن معرفة موقف الإسلام الواضح في بيان حرمة الحياة الإنسانية وكرامتها من خلال مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم الناس؛ حيث بايعهم على ألا يقتلوا نفسًا بغير حق.

فعن سيّدنا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي اللَّهُ عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا نَسْرِقَ وَلا نَزْنِيَ، وَلا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَلا نَنْتَهِبَ وَلا نَعْصِيَ، بِالْجَنَّةِ، إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ» (صحيح البخاري: 2/588، (3893)).

وقتلها بالحق ليس متروكاً لعامة الناس بل مرجعه القضاء وفق الشروط الفقهية في الشريعة الإسلامية.

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من القتل بغير حق ببيان عقوباته المختلفة، وهنا أذكركم بثلاثة أحاديث منها:

(1) قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا هُنَّ؟
(وذكر منها): "...وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ.. (صحيح البخاري: 2/242، (2766)، بتصرف)".

(2) قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ لَكَبَّهَمُ اللَّهُ جَمِيعًا عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ» (المعجم الصغير: 1/205).

(3) يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«يَأْتِي الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا رَأْسَهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، مُتَلَبِّبًا قَاتِلَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، تَشْجُبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ العَرْشَ فَيَقُولُ الْمَقْتُولُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ: هَذَا قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وَيُذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ» (المعجم الأوسط: 3/170، (4217)).

أحياناً يساعد الإنسانُ قاتلاً على القتل، وأحياناً لا يمارس القتل بنفسه، بل يأمر غيره بالقتل، فعلى أمثال هؤلاء أن يتّعِظوا من ثلاثة أحاديث:

(1) قال رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» (سنن ابن ماجه: 3/262، (2620)).

(2) قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:

«قُسِّمَتِ النَّارُ سَبْعِينَ جُزْءًا، فَلِلْآمِرِ تِسْعٌ وَسِتُّونَ، وَلِلْقَاتِلِ جُزْءٌ وَحَسْبُهُ» (مسند أحمد بن حنبل: 9/35، (23128)).

(3) يقول سيّدنا أبو الدرداء رضي الله عنه:

يَجْلِسُ الْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا مَرَّ الَّذِي قَتَلَهُ قَامَ فَأَخَذَهُ، فَيَنْطَلِقُ
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! سَلْهُ لِمَ قَتَلَنِي؟
فَيَقُولُ: فِيمَ قَتَلْتَهُ؟
فَيَقُولُ: أَمَرَنِي فُلَانٌ، فَيُعَذَّبُ الْقَاتِلُ وَالْآمِرُ (شعب الإيمان: 4/341، (5329).

أيها الإخوة: أرجو من جميع الناس الذين يعرفون حقوق الإنسان، ويذكرون ذلك للآخرين، وكذا المسؤولين عن توفير الحماية للبشر، أن يبذلوا جهودهم كي يرفعوا القتل عن الأمة في الحروب الظالمة، فلا يُقتل أحد بغير حق في العالم، وأن يحترموا البشر ويوفروا لهم الحماية.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للعمل على هذه الرسالة ونشرها للعامة، آمين بجاه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم.

تعليقات



رمز الحماية