عنوان الكتاب: عجز الميت

جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام: 6/94]. ومَاتَ([1]). وحُكِيَ عَنْ هَارُونَ الرَّشِيدِ: أَنَّهُ انْتَقَى أَكْفانَهُ بِيَدِهِ عِنْدَ المَوتِ ، وكانَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ويَقُولُ: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه [الحاقة: ٦٩/٢٨-٢٩]([2]).

أَيُّها المسلمُون ! إِنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ الإنْسانَ لِعِبادَتِهِ فَمَنْ أَطَاعَهُ أَنَالَهُ أَتَمَّ الجَزَاءِ ومَنْ عَصَاهُ عَذَّبَهُ أَشَدَّ العَذَابِ ولَكِنْ يَغْفُلُ الإنسانُ عَنِ الاستِعْدَادِ لِلنُّقْلَةِ مِنَ الدَّارِ الفانِيَةِ إِلَى الدَّارِ الباقِيَةِ وإِنَّ مِنْ أَضَرِّ الأَشْياءِ عَلَى الإنسانِ طُوْلَ الأَمَلِ لأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى الحِرْصِ عَلَى الدُّنيا وَالتَّشْمِيْرِ لِعِمَارَتِها حَتَّى يَقْطَعَ الإنسانُ لَيْلَهُ ونَهَارَهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي إِصْلاحِهَا وكَيْفِيَةِ السَّعْيِ لَها تَارَةً بِبَاطِنِهِ وقَلْبِهِ وتَارَةً بِظَاهِرِهِ وعَمَلِهِ فَيَصِيْرُ قَلْبُهُ وجِسْمُهُ مُسْتَغْرِقَيْنِ فِي ذَلِكَ ويَنْسَى الآخِرَةَ ويَشْتَغِلُ عَنْهَا ويُسَوِّفُ فِي العَمَلِ لَها فَيَكُونُ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ مُبَادِرًا ومُشَمِّرًا وفِي أَمْرِ آخِرَتِهِ مُسَوِّفًا ومُقَصِّرًا ويَعْمَلُ



([1]) "إحياء علوم الدين"، كتاب ذكر الموت وما بعده، ٥/٢٣٠.

([2]) ذكره الغزالي في "إحياء علوم الدين"، ٥/٢٣١.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

24