عنوان الكتاب: سمكة المدينة

هذا كانَ جَزَاءَ العبدِ في الدُّنْيَا وعندما قَدَّمَ حاجَةَ غَيْرِهِ على نَفْسهِ صارَ عَتِيْقًا على الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ إِنْسَانٌ فإلَيْكُمْ قِصَّةً مُؤَثِّرَةً عَنْ إيْثَارِ الْكَلْبِ:

عَنْ بَعْضِ الصُّوْفِيَةِ قالَ: كُنَّا بِطَرَسُوْسٍ فاجْتَمَعْنَا جَمَاعَةً وخَرَجْنَا إلى بابِ الْجِهَادِ فتَبِعَنَا كَلْبٌ مِنَ الْبَلَدِ، فلَمَّا بَلَغْنَا ظاهِرَ الْبَابِ إذَا نَحْنُ بدَابَّةٍ مَيِّتَةٍ فصَعِدْنَا إلى مَوْضِعٍ عَالٍ، وقَعَدْنَا، فلَمَّا نَظَرَ الْكَلْبُ إلى الْمَيِّتَةِ رَجَعَ إلى الْبَلَدِ، ثُمَّ عادَ بَعْدَ ساعَةٍ، ومَعَهُ مِقْدَارُ عِشْرِيْنَ كَلْبًا فجَاءَ إلى تِلْكَ الْمَيِّتَةِ، وقَعَدَ ناحِيَةً، ووَقَعَتِ الْكِلاَبُ في الْمَيِّتَةِ فمَا زَالَتْ تَأْكُلُهَا وذَلِكَ الْكَلْبُ قاعِدٌ يَنْظُرُ إِلَيْهَا حَتَّى أَكَلَتِ الْمَيِّتَةَ وبَقِيَ الْعَظْمُ ورَجَعَتِ الْكِلاَبُ إلى الْبَلَدِ فقَامَ ذلك الْكَلْبُ وجاءَ إلى تِلْكَ الْعِظَامِ، فأَكَلَ مِمَّا بَقِيَ علَيْهَا قَلِيْلاً، ثُمَّ اِنْصَرَفَ[1].

صلّوا على الحبيب!  صلّى الله تعالى على محمد

أخي الحبيب:

لقد كانَتْ في هذه القِصَّةِ دُرُوْسٌ وعِبَرٌ لَنَا، وإنَّ لِسَانَ حَالِ الْكَلْبِ يَقُوْلُ: «أَنَا أُحِبُّ الإيْثَارَ على الرَّغْمِ مِنْ أَنِّي كَلْبٌ


 



[1] ذكره الغزالي في "إحياء العلوم"، ٣/٣١٩.

 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

37