عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

واعرض عن كونه امة له فله البلايا والمغلوبية للاعداء فتامل يا رجل من حين تمسي الى حين تصبح لا تسعى الا في الحظوظ العاجلة ولا تتحرك الا لاجل الدنيا الفانية ثم تطمع ان تكون غدا من امته واتباعه ويحك ويا ويلنا ما ابعد ظننا وما افحش طمعنا. ثم اعلم ان في هذا البيت اشارة الى ما جاء في الحديث القدسي: لا اله الا الله حصني ومن دخل حصني امن عذابي[1]، والى قوله تعالى: ﴿ ٱلنَّبيُّ اوۡلَىٰ بٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ انفُسِهِمۡۖ وَازۡوَٰجهُۥٓ امَّهَٰتهُمۡۗ﴾ [الاحزاب: ٦]، وفي قراءة شاذة: وهو اب لهم.

١٣٨   كَمْ جدلَت كَلِمَات اللهِ مِنْ جدلٍ         فِيْهِ وَكَمْ خصَّمَ الْبرهَانُ مِنْ خصِمِ

 

لمّا استفيد من البيت السابق كون الاسلام حصنا حصينا لا يستولي عليه احد من عدوه بل هو يغلب على اعدائه اراد تفصيله فقال: ½كم جدلت كلمات الله... الخ¼، ½كم¼ خبرية للتكثير، و½جدلت¼ من التجديل، وهو بمعنى الوضع على الارض اي: كثيرا من المرات وضعت على الارض. و½كلمات الله¼ بالرفع فاعل ½جدلت¼، والمراد من كلمات الله القران العظيم اذ الاسلام عبارة عنه. و½من جدل¼ مفعول لـ½جدلت¼، و½من¼ زائدة، والجدل بكسر الدال بمعنى كثير الخصومة. و½فيه¼ متعلق بـ½جدل¼، والضمير اما راجع الى الملة بتاويلها بالاسلام والدين او برسول الله فيكون مجازا حذفيا اي: في دين رسول الله. و½كم خصم¼ عطف على ½كم جدلت¼. و½خصم¼ بالتشديد من المبالغة بمعنى كثيرا ما غلب في الخصومة. و½البرهان¼ بالرفع فاعل خصم، والمراد بالبرهان اعم من المعجزات والكرامات الباهرات. و½من¼ في ½من خصم¼ زائدة كمن في ½من جدل¼، وقد جاز زيادتها في الاثبات كما في قولنا: قد كان من مطر، والفعلان المذكوران هاهنا وان كانا مثبتين صورة لكنهما متضمنان معنى النفي تدبر. و½خصم¼ بكسر الصاد بمعنى كثير الخصومة.

وحاصل معنى البيت: كم مرةً رمت الى الارض في المجادلة كلمات الله التي جاءت من عنده منكوسا على الراس شخصا كثير الجدال وكم مرةً غلب الدليل القاطع شخصا كثير الخصام.


 



[1]     "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، كتاب الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة، الفصل الثالث، ٣/٥٨.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310