مِعيار حُسن الخُلُق مع الأهْل والخلْقِ | محمد ناصر جمال العطاري


نشرت: يوم الأَربعاء،06-أبريل-2022

مِعيار حُسن الخُلُق مع الأهْل والخلْقِ

قال رسول الله ﷺ:

خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي.

الخيرُ ضدّ الشر، وبما أنّ النبيّ ﷺ خيرُ الخلق، ولذلك قد أشار إلى الخيرِ في كثيرٍ من جوانب الحياة بما فيها أهمّ المجالات كالعبادة والتعامُل مع الناس، ففي الحديث السابق اعتبِر الإحسانُ إلى الأهل، وحُسنُ المعاشرة، والتعاملُ معهم بحسن الأخلاق أفضلُ الأعمال .

قال الشيخ المحدّث عبد الحقّ الدهلوي رحمه الله تعالى في هذا الحديث: أشار بقوله: (خيركم خيركم لأهله) إلى تحسين الأخلاق مع الأهل والأصحاب في الحياة.

والشيخ ابن الأثير الجزري رحمه الله تعالى أضاف على هذا قائلًا: هو إشارة إلى صلة الرحم، والحثّ عليها.

ويلاحظ أنّ كلمة "أهل" تُطلق على قرابة الدم، والزوجة، والأصدقاء، والمعاصرين كما قال الشيخ الملا عليّ القاري رحمه الله تعالى في هذا الصدد: والأهل يشمل الزوجات، والأقارب، بل الأجانب أيضًا، فإنّهم من أهل زمانه.

وفي ذلك تأكيدٌ على التعامُل بحسن الخلق مع جميع شرائح المجتمع، ومن السهل جدًّا أن يكون المرء منارة للأخلاق الحميدة خارج المنزل، ولكن من كمال مَكارم الأخلاق أن يتعاملَ في المنزل بهذه الأخلاق ولا سيّما الزوجة بلطف، وبحسن الخلق، وعلى ذلك ورد التأكيدُ في القرآن الكريم:

﴿وَعَاشِرُوْهُنَّ بِالْمَعْرُوْف﴾

أي: تحدَّثوا معهن بلُطفٍ، وحسِّنوا أعمالَكم، ومَظاهرَكم الخارجيّة لهنّ بقدر الاستطاعة كما أنتم تطلبون منهنّ.

كما قال الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى: أي: طيِّبوا أقوالكم، وحسِّنوا أفعالكم، وهيئاتِكم بحسب قدرتكم كما تحبّ ذلك منها، فافعل أنت بها.

وهذه ثلاثة أحاديث من رسول الله ﷺ في التعامُل الحسَن مع الأهل:

قال رسول الله ﷺ:

"أن تطعمَها إذا طعمتَ، وتكسوَها إذا اكتسيتَ أو اكتسبتَ، ولا تَضْرِب الوجهَ، ولا تُقَبِّحْ، وَلا تَهْجُرْ إِلا فِي البيت".

قال رسول الله ﷺ:

"شَرُّ النَّاسِ الضَّيِّقُ عَلَى أَهْلِهِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ! وَكَيْفَ يَكُونُ ضَيِّقًا عَلَى أَهْلِهِ؟ قَالَ ﷺ: "الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ خَشَعَتِ امْرَأَتُهُ، وَهَرَبَ وَلَدُهُ، وَفَرَّ عَبْدُهُ، فَإِذَا خَرَجَ ضَحِكَتْ امْرَأَتُهُ، وَاسْتَأْنَسَ أَهْلُ بَيْتِهِ".

قال رسول الله ﷺ:

"أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا، وخيركم خيركم لنسائهم".

لذلك فإن النبي ﷺ قدوةٌ لنا في حياته المباركة مع أهله وأزواجه فمع أنه كان يدعو الناسَ إلى الإسلام، ويستقبل الوفود، ويحضر الجنائز، ويَعود المرضى، ويُساعدُ الفقراءَ، وعلى الرغم من ذلك كلّه وكثرة أشغاله واشتغاله بالدعوة وشؤون الأمة كان يتعامل مع زوجاته بلُطف، ويتبسّم أمامَهم فيباسطهم، ويجعلهنّ يتبسّمن معه، وكان يهتمّ بمصاريفهنّ، ويتعرّف على أحوالهن، ويتصرّف معهنّ برفق ولين، وكان يزورُ أهلَه بعد أداء صلاة العصر كلّ يوم، ليطَّلع على أمورهنّ، وفي بيت التي يكون دورها ليلًا كانت سائرُ زوجاته رضي الله تعالى عنهنّ يجتمعن فيه، ويتناولن الطعامَ معه أحيانًا ثم يعدن إلى بيوتهن، وكان يتحدَّث معهن بعد صلاة العشاء قليلًا ثم يستريح، وفي ذلك ذكر العلامة ابن كثير الدمشقي رحمه الله تعالى فقال: وَكَانَ مِنْ أَخْلاقِهِ ﷺ أَنَّهُ جَمِيل العِشْرَة دَائِمُ البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بِهمْ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، وَمِنْ ثمّ كَانَ يعتنيْ بِهنّ، ويتفقّد أحوالهنّ، وَإِذا صلّى الْعَصْر دَارَ على نِسَائِهِ لاستقراء أحوالهنّ، وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الأحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُر مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤانسهم بِذَلِكَ ﷺ.

عن سيّدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه:

" أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ لا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا، وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً، أَوْ عَشِيَّةً".

من المعلوم أنّ زوجاتِه ﷺ كنَّ ينتمين إلى قبائل مختلفة، وكانت أعمارهنّ متفاوتة، وكذا كان مزاجهنّ مختلفًا أيضًا، وعلى الرغم من ذلك فقد كان ﷺ يرتقيْ على أكمل درجةٍ من معايِيْر الكمال في حياته العمليّة، فإذا أراد الزوجُ أن يكون كاملًا أو قريبًا من أهل الكمال يتعامل بمثالية راقية مع زوجته فعليه أن يتحلى بهذه المظاهر الجميلة من السيرة النبوية ﷺ، ويجعلها أمامه، وعليه أن يتعامل مع زوجته معاملةً حسنة، ويتحدّث معها بلُطف، ويقوم بإظهار المحبّة والمودّة لها، ويُعاملها بروح الدُّعابة دون تكلّف، يسامح أخطاءها، ويغضّ عما يندُر منها، ولا يتشاجر معها، ويحفظ شرفَها، ويبذُل قصارى جهده في إكرامها، ليتجنّب الخلاف معها، ولا يبخل في الإنفاق عليها، ويحترم أسرتها وأهلها.

وكذا لو أرادت الزوجةُ أن تكون مثاليّةً لزوجها فلتحترمه دائمًا، ولا تناقشه في الأمور التافهة، وتمتثل لأوامره فيما لا يخالف فيه الشرع، وتعتنِ بآداب الحديث إذا تكلّم، ولا تقاطعه أثناء الحديث وتستمع إليه بهدوء أوّلًا، ثم تجيبه، وتحافظ على عرضه في غيابه، ولا تخُن في ماله، وأن تتعطّر له وتتزيّن، فتهتمَّ بنظافة الوجه والملابس على وجه خاص، وتُعوِّد نفسَها على الصبر عند عدم توفّر ما تريد أو تلزم على نفسها الامتنانَ عند التوفّر، وتختر أسلوبَ الحُبِّ والرحمةِ في التعامُل معه، وتتجمَّل قدرَ المستطاع له، وتحترم أسرةَ الزوج وأقاربه، وتتعرف على أحواله بطريقة لبقةٍ حسنة، وتُشجِّعه على أعماله اليومية، وتقُم بإظهارِ الفرح عند رؤيته.

وعلى هذا نقول: إذا تمسَّك كلُّ فردٍ من أفراد المجتمع بمعيار الكمال على منهج التعاليم النبوية والأخلاق المصطفوية للرسول ﷺ فسينتهي الشرُّ والفسادُ من المجتمعِ تِلقائيًّا، وسيُصبح "الخير" هويّتنا والمحبة، والتصافي شعارنا، والسعادة والسرور حياة رائقة لنا بإذن الله تعالى.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية