طالب العلم بين الدنيا والآخرة | يوسف عبد القادر فرواتي


نشرت: يوم الإثنين،12-سبتمبر-2022

طالب العلم بين الدنيا والآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم

لا بد للمؤمن الفطن إن يوازن بين الحياة الدنيا وأعمالها وأشغالها وبين الحياة الآخرة وما ينبغي من الاستعداد لها في الإيمان والعمل الصالح والتقوى، ولا ينبغي الإفراط أو التفريط في ذلك، بل على المؤمن أن يكون مقتدياً بالنبي الكامل ﷺ الذي كانت جميع تفاصيل حياته دروساً وعبراً وسبيلاً يسيرُ عليه المؤمنون من بعده، فكيف إذا كان هذا المؤمن طالباً للعلم يريد أن يقتدي بأهل العلم والفهم، لكن ما هو السبيل الصحيح للتوفيق بين الدنيا والآخرة دون أن يقصر في أحدهما؟ هذا ما سنحاول التعرّف عليه إن شاء الله تعالى.

أهمية التوازن بين الدنيا والآخرة:

خلق الله الإنسان وجعل له الأرض مسكناً وهيأ له عليها الأسباب التي تساعده على الحياة، فجعل السماء بناء والأرض مهاداً والجبال أوتاداً، وسلك له في الأرض الينابيع والزُّلال من المياه وجعل كل شيء حياًّ منه، فأنبت الزرع والنخيل والثمرات، وهيأ له كل شيء في الكون وسخر له ما في السموات والأرض وأسبغ عليه النعم الظاهرة والباطنة، وفي مقابل ما هيأ لصلاح جسده وبقائه، جعل له الغذاء الروحي فأرسل الرسل الكرام ليدعوه إلى الله ويقوِّموا الناس ويدلّوهم على صلاح نفوسهم والسمو بأرواحهم، فلا شك أن الروح تحتاج لغذاء كما يحتاج الجسد إلى الغذاء أيضاً، وهذه من سنن الله في الأرض، وكلٌّ من الغذاء الروحي والجسدي يحتاج إلى بذل وجهد ومجاهدة وأخذ بالأسباب حتى يصل إليه، صحيح أن الله خلقها لك ويسر لك أسبابها ولكن لن تجني أيًّا منها وأنت نائم في الفراش، لا بد من السعي والجهد والأخذ بالأسباب حتى يتيسر لك ما كتبه الله لك، ولكن النجاح يمكن في كيفية التوازن بين الأمرين فكما أن الإنسان يبحث ويجتهد في تحصيل الغذاء الجسدي وما يحتاجه لدنياه، فعليه أيضا أن يجتهد في تحصيل غذاء روحه وما يحتاجه لآخرته، ولا ينبغي أن يترك جانب حياته من الدنيا فيهملها فكلا الجانبين مهمّ والتوازن بينهما مطلوب والعمل عليهما دون تقصير يلزم مراعاته، دون إفراط ولا تفريط، فرسولنا الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه قال في جانب السعي للدنيا وعدم التواكل على أحد:

لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبْلَهُ، ثمّ يغدوَ -أحسبه قال: إلى الجبل- فيحتطبَ، فيبيعَ، فيأكلَ ويتصدّقَ، خيرٌ له من أن يسأل النّاسَ

التوازن لا يعني التقصير في الفروض والتساهل في المحرمات:

• التوازن الذي حث عليه الإسلام لا يعني أبداً أن تقصر في الواجبات ولا أن تتساهل في المحرمات بذريعة أنك تعطي شيئا لدنياك!!.

• التوازن هو ألا تقصر في حقوق الله ولا في حقوق نفسك والعبادَ

• التوازن أن تعمل على تغذية روحك دون أن تترك تغذية جسدك.

• التوازن هو أن ترى أنه من الواجب عليك أن تكون عضواً فعّالاً في المجتمع لا عالة عليهم، وفي ذات الوقت تحرص على أن تكون علاقتك قوية مع الله، فليس عليك كمسلم أن تترك الدنيا والعمل وتجلس لتنتظر شيئاً من الناس، كما لا ينبغي عليك أن تركن للدنيا طمعاً، لتكون الغاية هي المال والاستمتاع فتقصر في جانبك الروحي وتبتعد عن الله سبحانه وتعالى، ولقد ورد في بعض الآثار:

نِعمتِ الدُّنيا لِمَن تزوَّدَ فيها لآخرتِه ما يُرضِي به ربَّه، وبِئْسَتِ الدارُ لمنَ صرَعَتْه عن آخرتِه، وقصُرَت به عن رضا ربِّه؛ فإذا قال العبدُ قبَّحَ اللهُ الدنيا، قالتِ الدُّنيا: قبَّح اللهُ أعصانا للربِّ

وسأعرض عليك مواقفاً من حياة النبي ﷺ ليتبين لك كيف حثّّ النبيُّ ﷺ على التوازن، وكيف نهى عن الإفراط والتفريط.

أمثلة من حياة النبي ﷺ عن التوازن وحثه على ذلك:

نبينا ﷺ هو الإنسان الكامل والذي كان مثالاً في التوازن ولقد عمل ﷺ في التجارة وقبلها في رعي الغنم وكان ينزل إلى الأسواق ويبيع ويشتري ويتصدّق، وقد أرشد أن اليد العليا خير من اليد السفلى كما في قوله ﷺ:

اليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى

وفي قصة زيارة سيدنا سلمان لسيدنا أبي الدرداء رضي الله عنهما درس عظيم في التوازن، وذلك أنه

آخى رسول الله ﷺ بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سيدنا سلمان رضي الله تعالى عنه سيدَنا أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه، فرأى أُمَّ الدَّرْدَاءِ متبذِّلَةً، فقال: ما شأنكِ متبذّلة؟
قالت: إنّ أخاك أبا الدّرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا.
قال: فلمّا جاء سيدنا أبو الدّرداء رضي الله تعالى عنه قرّب إليه طعامًا، فقال: كُلْ، فإنّي صائم، قال: ما أنا بآكل حتّى تأكلَ، قال: فأكل.
فلمّا كان اللّيلُ ذهب سيدنا أبو الدّرداء رضي الله تعالى عنه ليقومَ، فقال له سيدنا سلمان رضي الله تعالى عنه: نَمْ، فنام، ثمّ ذهب يقوم.
فقال له: نَمْ، فنام، فلمّا كان عند الصّبح قال له سيدنا سلمان رضي الله تعالى عنه: قُمِ الآنَ، فقاما، فصَلَّيا.
فقال: إنّ لنفسك عليك حَقًّا، ولربّك عليك حَقًّا، ولِضَيْفِكَ عليك حَقًّا، وإنّ ‌لأهلك ‌عليك حَقًّا، فأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
فأتيا النّبيَّ ﷺ فذكرا ذلك له، فقال له: صدق سلمان (رضي الله تعالى عنه)

وهذه من القصص العظيمة والمفيدة التي أقرها النبي ﷺ وجعلها رسالة في توازن العلاقة بين العبد وربه وبين العبد وأهله وبين العبد سائر العباد، وهكذا كانت حياة الصحابة من بعد متوازنة والفتوحات الإسلامية التي حدث خلال عصر النبي ﷺوالعصور التي تليه والعلوم التي اشتغل فيها المسلمون وأبدعوا فيها خير دليل على ذلك.

وفي الختام، أخي الحبيب..!! أخي الطالب..!! أخي المسلم..!!

الدنيا قصيرة وفانية فلا تهلك نفسك طلباً لها ولا بأس أن يكون لك منها نصيب، فتكون بيدك لا بقلبك، وسيلة لا غاية، ولا تهمل علاقتك مع الله جل جلاله، تقرب من أهل الله الصالحين، وكن متأثّرا.. فعالا.. لتكون مؤثّراً ذا رسالة وهدف في المجتمع، كن أنت الآخذ بيد القوم للأعلى، كن كما كان رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام من بعده، اللهم حققنا بهديه وارزقنا السير على طريقه وسنته واحشرنا معه في الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً. والحمد لله رب العالمين.

#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية