مدونات مختارة
الأكثر شهرة
القصيدة اللامية الشهيرة بـالتوسّلية للشيخ أَمِين الْجُنْدي رحمه الله تعالى | أبو محمد الشاذلي
اسم الشاعر:
أمين بن خالد بن محمد بن أحمد الجندي: شاعر من أعيان مدينة حمص، ولد ومات فيها، تردّد كثيراً إلى دمشق فأخذ عن علمائها وعاشر أدباءها، وآل الجندي أسرة عريقة يرجع نسبها للنبي الحبيب ﷺ، وهو من وجهاء مدينة حمص حين كانت بلاد الشام تحت حكم الدولة العثمانية.
صفته وسيرته:
والشيخ عُرِف بـالشاعر اللبيب، والماهر الأديب، والكامل الأريب، والفاضل النجيب، اشتهر برقة المعاني كلامه الفائق، ورقى فوق ذروة الفصاحة حسن انسجامه الرائق، قد حضر دروس العلماء الدمشقيين، وشهدوا له بالفضل والقدر المكين، وابتهج به ذوو المعارف، وأقروا له بالفضائل والعوارف، وكان حسن النظم والنثر، قد فاق أهل زمانه بما ألقاه من بديع الشعر، وله المقطعات العجيبة المباني، التي لم يسبق لها مثيل في جزالة الألفاظ ولطافة المعاني، استعمل فيها الكلمات المألوفة في هذا الزمان، التي تطرب لسماعها القلوب والآذان، ولا بدع فناظمها هو العالم النحرير، والشاعر الشهير، لبيب عصره، وأديب قطره فضلاً عن مصره، منور الأفكار ببلاغته، ومزين الألفاظ ببراعته.
علمه وشعره:
نشأ بحمص الشهيرة في طلب العلوم، وتحقيق المنطوق والمفهوم، ثم صار يتردّد إلى دمشق الشام، ويقرأ على علمائها الأعلام، وأخذ وتلقّى وقرأ على قطب زمانه، ومرشد أقرانه، السيد الشيخ عمر اليافي قدس الله سره الوافي
فحل عليه نظره التام، حتى قال له: اذهب فأنت أشعر أهل الغرام، فصار الشعر فيه سجيه، والبلاغة له عطية، ينظم القصائد المفيدة، والقدود الفريدة، والموشحات النضيدة، والمقاطيع السديدة، والمواليات العديدة، فسارت الركبان بكلامه، وتزيّنت المجالس بنظامه، فيا له من ماهر ألبس الدهر أحسن أثوابه، وأنفق الدر الثمين على أقرانه وأحبابه، فصار مفرداً في نظامه، معدولاً إلى بديع كلامه.
محنته وسجنه:
لـمّا كانت سنة 1246 هـ أتى إلى حمص عامل من قبل السلطان محمود خان، وما لبث أن وشى إليه بصاحب الترجمة بعض أعوانه أنه هجاه، وقال عليه ما لا يرضاه، فأمر بنفيه وإخراجه من حمص بحال الذل والقهر، وبلغ الشيخ أمين رحمه الله تعالى خبر هذا الأمر، ففرّ هارباً إلى مدينة حَماه، وظن أنها تكون مكان حفظه وحِماه، وعلم الوالي، فأرسل أنصاره في طلبه، فقبضوا عليه في الطريق، وأمر بحبسه في اصطبل الدواب وحَبَس عنه الطعام والشراب إلا ما يسدّ به الرمق، فأقام أربعة أيام، وأغاز على حمص ثائر من الدنادشة اسمه "سليم بن باكير" بمئتي فارس فقتلوا العامل، وأُفرج عن الشيخ أمين رحمه الله تعالى، وله ديوان شعر، وفي شعره كثير من الموشحات وتواريخ الوفيات الشائعة في أيامه
قصة منظومته المعروفة بالقصيدة اللامية (التوسّليّة):
الشيخ أمين الجندي له شعر عذب المعاني سهل الألفاظ برع فيه بالغرام في محبة الله ومحبة رسول الله ﷺ ومديحه والتشفّع به إلى الله تعالى والتوسل به وقصائده مشهورة تردد كثيراً في المجالس والموالد، ويعتبر شعره في نظر النقاد بأنه شاعر عصره بلا منازع، وقصيدته التوسّلية من أشهر تلك القصائد، ويقال: إنه نظمها عندما سجنه السلطان العثماني فأُفْرِج عنه على إثرها، إلا أن الحقيقة كما دلّت عليه معاني الأبيات وإنه نظمها بعد أن أقعده مرض عضال مدّة طويلة، فأيس من الأطباء وأعياهم، فقام في ليلة هادئة فصلى ونظمها بقرابة مئة بيت يدعو الله واستغاث فيها إليه تعالى وتوسل بجاه رسوله ﷺ فشفاه الله تعالى ، وللشيخ عبد الكريم بن محمد عويضة الطرابلسي تخميسة لها.
وقد سماها "نوال الشفا في مديح المصطفى" جاء فيها:
إذا ما عدتْ دُهْمُ الكروب العواضل ... عليَّّ وعادتني صروف النّوازل
وعزَّ نصيري في الخطوب الغوائل ... توسّلتُ بالمختار أرجى الوسائل
نبيّ لمثلي خير كافٍ وكافلٍ
هو المرتجى في كلّ دهماء جلّتِ ... وعزّتْ لها الأنصار منا وقلّتِ
هو المنّة الكبرى بنصّ الأدلةِ ... (هو الرحمة العظمى هو النعمة التي)
غدا شكرها فرضًا على كلّ عاقلِ
لقد كان نورًا قبل آدم زاهرا ... فمنه اكتسى هذا الوجود مظاهرا
هو الأول المنعوت في الذكر آخرا ... هو المصطفى المقصود بالذات ظاهرا
من الخلق فانظر هل ترى من مماثل
توفي رحمه الله تعالى في مدينة حمص عام 1841 م ودفن بجانب قبر ومسجد الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، وإليكم طرفاً من قصيدته اللامية التوسّلية وهي طويلة اخترنا لقارئنا العزيز بعض الأبيات منها:
تَــوَســلت بِــالمُــخـتـار أَرجـى الوَسـائِلِ ... نَـــبـــيٌّ لِمــثــلي خَــيــر كــافٍ وَكــافِــلِ
هُـوَ الرَحـمَـة العُـظمى هُوَ النعمة الَّتي ... غَــدا شُــكــرهــا فَـرضـاً عَـلى كُـل عـاقِـلِ
هُـوَ المُـصـطَـفى المَقصود بِالذات ظاهِرا ... مِـن الخَـلق فَـاِنـظُـر هَـل تَرى مِن مُماثلِ
نـــجـــيُّ إِلَهِ العَــرش لا بَــل حَــبــيــبُهُ ... وَخَــيــرَتــهُ مِــن خَـيـر أَزكـى القَـبـائِلِ
شَــمــائِلُهُ تَــنــبــيــك عَــن حُـسـن خـلقـه ... فَـقُـل مـا تَـشـا فـي وَصـف تِـلكَ الشَمائِلِ
وَأَخــلاقــهُ فــاه الكِــتــاب بِــمــدحِهــا ... وَلا سِــيــمــا الإعــراض عَـن كُـلِ جـاهِـلِ
نَــبــيُّ هُــدىً سَــنَّ التَــواضــع عَــن عُــلا ... فَــحَــلَّ مِــن العَـليـا بِـأَعـلى المَـنـازِلِ
لَهُ النَـــســـب الوَضــاح وَالسُــؤدد الَّذي ... تَــسـامـى عَـلى هـام السُهـى بِـالتَـطـاوُلِ
دَعَــوتــك يــا اللَه مُــســتــشــفِــعــاً بِهِ ... فَــكُــن مــنــجــدي يـا مُـنـتَهـى كُـل آمـلِ
سَــأَلتــك كَــشــف الضــر عَــنــي بِــجــاهِهِ ... وَحــاشــاك أَن لا تَــستــجــيــبَ لِســائِلِ
إلهــي قَــد اِشــتَــدَت كُــروبـي وَلَيـسَ لي ... سِــواك مُــغــيــث فـي الخُـطـوب الغَـوائِلِ
إِلَهــي تَــدارك ضــعــف حــالي بِــرَحــمــة ... وَلُطـــف خَـــفـــيٍّ عـــاجـــل غَـــيـــر آجـــلِ
فَــإِنــي جَــزوعٌ لا صَــبــورٌ عَـلى البَـلا ... وَدائي عـــضـــال لا مَـــحـــالَة قــاتِــلي
وَفــي عــلَتــي حـار الطَـبـيـب فَـكـدت أَن ... أَجــاوز حَــدَّ اليــأس مِــن ذي العَـواضِـل
وَبِـالسَـقـم أَعـضـائي اَضـمـحـلتْ جَـمـيعها ... فَــلَم يَـبـقَ مِـنـهـا مـفـصـلٌ غَـيـر نـاحـلِ
وَمِــن دون كُـل الخَـلق عـولِجَـت بِـالأَسـى ... قَــصــاصــاً وَحَــســبــي زَلَتــي وَنَــصــائِلي
فَــإِن كــانَ هَــذا بِــالذُنــوب وَلَيــسَ لي ... شِــفــاءٌ وَجــســمــي داوه غَــيــر نــاصــلِ
فَـــإِني بِـــطَــه مُـــســـتـــغــيــث وَراغــب ... إِلى اللَهِ فَهُــوَ الغَــوث فــي كُـل هـائِلِ
وَإِخــوانــهُ الرُســل الكِــرام جَـمـيـعُهُـم ... وَبــاقـي النَـبـيـيـن البُـدور الكَـوامـلِ
وهــا أَنــا مُــحــتـاج فَـلا تُـكُ قـاطِـعـًا ... حِــبــال رَجــائي مِــنــكَ يـا خَـيـر واصـلِ
فَــحــاشــا ظُــنــونــي إِن تَــرد بِـخَـيـبـة ... وَفــي بــابــك المَــأمـول حَـطَـت رَواحِـلي
فَـإِن كـانَ فـي العُـمـر اِنـفِساحٌ فَعافِني ... مِـن السـقـم وَاِرحَـم يـا رَحـيـم تَـناحلي
وَإِن تَــكُ قَــد حــانَــت وَفــاتــي فـآوِنـي ... لِدار نَـــعـــيـــم عَـــزهـــا غَـــيــر زائِلِ
وَثَــبّـت عِـلى التَـوحـيـد قَـلبـي وَمُـنَّ لي ... بِــخــاتِــمَـة الإِيـمـان مِـن غَـيـر فـاضـل
وَدُمْ راضــيــًا عَــنــي كَــذاكَ وَمُــرضــيــاً ... خُــصــومــي وَيَـوم العَـرض لا تُـكُ خـاذِلي
فَــإِنــي أَرى الدُنـيـا سَـرابـاً وَأَهـلُهـا ... أَحــاديــث يَــرويــهــا الزَمــان لِنـاقِـلِ
وَإِنـــي لِراض بِـــالقَــضــاء وَمــا تَــشــا ... وَعِــنــدي يَــقــيــنٌ أَن لُطــفــك شــامِــلي
وَمــنــي عَــلى روحــي الصــلاة مُــسـلِمـاً ... وَأَصـــحـــابِهِ وَالآل مَـــع كُـــل كـــامـــلِ
مَـدى الدَهـر مـا الجُـنـدي أَنـشد قائِلاً ... تَــوســلت بِــالمُــخـتـار أَرجـى الوَسـائلِ
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية
تعليقات