غَيِّر نفسك أولاً! وستتغيّر لك الأمور بإذن الله تعالى | الشيخ محمد عمران العطاري


نشرت: يوم السبت،13-يناير-2024

غَيِّر نفسك أولاً! وستتغيّر لك الأمور بإذن الله تعالى

كان هناك رجل قد بدأ عملا تجاريًا جديدًا، وفي بداية أيام عمله كان الربح جيدًا للغاية، لكن بعد فترة قصيرة بدأ يواجه المشاكل بسبب كثرة النسيئة في التعامل ـــالبيع بالدينــــ؛ لأن أكثر المستقرضين صاروا يعتذرون بأعذار لأجل ذلك، وبسبب ذلك ركدت سوقه، خلال ذلك صار يفكّر عن الأسباب الرئيسية لخسارته في تجارته، إلا أنه لم يفكر أبدًا عن مدى إهماله لحقوق الله تعالى.

في يوم من الأيام لمحت عيناه هذه العبارة عندما كان يقرأ كتابًا: "تتمنى من ربك أن يحسّن أحوالك وفق رغبتك، ومع أَملِكَ هذا لم تفكر مرةً ماذا يريد ربك منك؟ هل أنت تفعل ما أمرك به ربك؟"

بعد قراءته لهذه العبارة خاطب نفسه قائلاً: "لعل هذا الكتاب، وهذه الصفحة التي فيه، بل وهذه العبارة فيها أمر غيبي، وهي رسالة هادئة لي"، ثم أخيرًا تاب لربه توبة صادقة، وعاهد بألاّ يعصيه أبدًا، ثم دعا الله أن يحسّن أحواله.

لم تمضِ إلا أيام قليلة حتى صارت أحواله تتحسّن بفضل الله تعالى، وبدأ الناس يردّون إليه ديونهم، وليس هذا إلا لأنه غيّر من نفسه وجعلها حسب أوامر ربه الذي هو مقلّب القلوب.

أيها الإخوة الكرام! الإنسان لما يحرص على أن تتغير أحواله وتتحسن يرحمه ربه ويعينه، فلماذا لا يغير نفسه كي يتحقق هذا؟ تيقّنوا جيدًا بأن الإنسان إذا غيّر من نفسه وسلك بها أوامر الله الكريم، وأدّى حقوق الله وأحكامه فسيجد الله كريمًا ورحيمًا، وإذا نزلت رحمة الله عليه كيف تبقى عليه المحن والصعوبات.

قال الله الرحيم في كتابه المجيد:

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: ١٣٢].

كم هي المصائب والمشاكل التي تحل بنا وندعو الله تعالى ليلاً أو نهارًا لكشفها عنا، ونسأله نيل مطالبنا، لكننا هل حاسبنا أنفسنا على أوامره وأحكامه الواجبة علينا بأننا لم نلتزم بها؟

هناك نصيحة في هذا الأمر من الإمام أحمد رضا خان الحنفي الماتريدي رحمه الله تعالى يوجّهها لنا، أقدّمها لكم بعد تبسيطها فيما يلي: "انظر إلى نفسك (وأخبرني) لو طلبك صديقك ألف مرة لأن تعمل له من أعماله، لكنك مع كل هذا لم تقم بشيء، (ثم إنك تحتاج إليه في عمل) فأولا ستتردّد في الأمر بعملك، وتشعر بالخجل (وستقول في نفسك): إنني لم استمع لما قال لي، فكيف أتجرأ على أن أطلبه لأجلي!

وحتى لو نبذت خجلك وطلبت منه ثم هو لم يستجب لك فلا يحقّ لك أن تجعله محلاً للطعن أو الشكوى، وستقول في نفسك ــ لو أنصفت ــ بأنه لا يحقّ لي أن أشكو؛ لأنني لم أستجب له في أمره.

والآن أخبرني أو صارح نفسك كم هي نسبة التزامك بأوامر الله رب العالمين؟ وما أعظم الوقاحة في عصيانه في أوامره، ثم الأمل منه في تحقيق مطالبك في كل حال (فضائل دعاءللإمام نقي علي خان "والد الإمام أحمد رضا خان الحنفي" : صـ ١٠١)!.

علينا أن نحاسب أنفسنا: هل نحن نقيم الصلوات المكتوبة حقا أم لا؟

هل نحن نصوم الصيام المفروض علينا أم لا؟

هل نحن نخرج الزكاة كاملة بعد وجوبها علينا أم لا؟

هل نضحي بعد وجوبها الأضحية علينا أم لا؟

هل نصدُق في كلامنا أم لا؟

هل تركنا عادة الكذب أم لا؟

هل اجتنبنا سوء الظن أم لا؟

هل ابتعدنا عن الأغاني، والموسيقات، والأفلام، والمسرحيات، والنظر المحرّم إلى النساء أم لا؟

أين نحن في امتثالنا لأوامر الله تعالى وأداء حقوقه؟

السلف الذين مضوا كانوا يعتنون بأداء حقوق الله تعالى اعتناء واضحًا وخاصة في أداء الصلوات، وإليك نموذج من نماذجهم العظيمة، فقد كتب حجة الإسلام سيدنا أبو حامد محمد بن محمد الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه "كيمياء السعادة":

"كان الحدّاد منهم (من السلف والصالحين) إذا رفع مطرقته ليضرب (أي على هدفه) حين يسمع الأذان وهو في تلك الحال بدلا من أن يضرب بمطرقته على الحديد أو غيره ينزلها إلى الأرض فورًا، وإذا أدخل الإسكافي (أي الذي يخيط الجلد) الإبرة في الجلد وسمع صوت الأذان يمشي إلى المسجد (للصلاة) في حينه تاركًا إبرته وجلده في مكانه، حتى دون أن يُخرجها الإبرة من الجلد.

معناه: إنهم يعتبرون ضرب المطرقة المرفوعة ضربة واحدة أو إخراج الإبرة إلى الجانب الآخر سببًا لتأخير الصلاة مع أنه لا يأخذ إلا وقتًا يسيرًا (کيمياء السعادة: ١/ ٣٣٩).

أيها الأحبة! نواجه المشاكل يوميًا ونعاني أنواعًا من المعاناة فمن الذي يخرجنا من العسر إلى اليسر غير الله؟ ومن الصعوبات إلى الطمأنينة؟ يقول ربنا الكريم:

وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ [غافر: 60].

لكن علينا أولا أن نسلك الطريق الذي يضمن لنا استجابة دعواتنا ويكون سببًا لتحسين أحوالنا.

ألتمس من كل محبّ للرسول الأعظم ﷺ ونحن جميعنا يرغب أن يحسن الله أموره المنزلية، والتجارية، والجسمانية، والروحية وما إلى ذلك، وليس لنا غير الله تعالى، فعلينا أن نتحلّى بحليّ التقوى والورع حتى تتحسن أحوالنا وننال رحمة ربنا ويقبل دعاءنا، وعلينا أن نتخلّى عن سبيل العصيان ونسلك سبيل الرضوان. وفّقنا الله تعالى لتحسين أنفسنا كي تتحسن أحوالنا، آمين.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية