حولية الإمام أحمد رضا رحمه الله تعالى | د.مهربان باروي


نشرت: يوم الإثنين،13-سبتمبر-2021

حولية الإمام أحمد رضا رحمه الله تعالى

شخصية تركت بصمة في جميع الميادين العلمية، ولم تترك مجالًا إلا برعت فيه، كان الإمام أحمد رضا خان فقيهًا ضليعًا، وأصوليًا بارعًا، حافظًا، ورعًا، زاهدًا، عابدًا، مفسرًا، شاعرًا، ناقدًا بصيرًا، لم تقتصر مهارته على علم دون آخر بل تنوع واتسع حتى شمل أكثر من خمسين علمًا منه، وكانت له دراية فائقة بعلم العقائد والتوحيد، ورزق السعادة في اللغة والأدب، جمع من العلوم والفضائل والمبرات والكمالات والتصنيفات والتأليفات والحسنات مالا يأتي عليه الحصر، وهو في الفقه والفهم يماثل أبا حنيفة رحمه الله تعالى، وفي كثرة التأليف مثل السيوطي رحمه الله تعالى، وفي المهارة بالعلوم والفنون الحديثة أو القديمة كأنه الغزالي رحمه الله تعالى.

اسمه ولقبه

أسمي بـ محمد وسماه جده الشَّيخ رضا علي خان: أحمد رضا وبهذا اشتهر في العالم، وبشدة حبه مع لقب نفسه عبد المصطفى.

مولده

وُلد الإمام أحمد رضا خان في يوم الاثنين العاشر من شهر شوال عام ١٢٧٢ هـ. المــــوافـق الرابع عشر من أيار سنة١٨٥٦ م في مدينة بريلي في ولاية أُتَّرْ بَرْدِيشْ بالهند.

نسبه وعائلته

ينتمي الإمام أحمد رضا خان إلى أسرة عريقة برهيج هجرت من مدينة قندهار في أفغانستان إلى الهند.

والده

الشَّيخ المفتي نقي علي بن رضا علي بن كاظم علي بن أعظم شاه بن سعاد يار الأفغاني البريلوي (١٢٩٧ هـ) من أحد كبار الفقهاء الحنفية، أخذ عن أبيه، وقرأ عليه ما قرأ من الكتب الدراسية، ثم أخذ الطريقة عن السَّيِّد آل رسول المارهروي، وأسند الحديث عنه سنة ١٢٩٤ هـ، وسافر للحج سنة ١٢٩٥ هـ فحج وزار، وأسند الحديث عن الشَّيخ أحمد بن زيني دحلان الشافعي، وعاد إلى الهند، وله مصنفات منها: الكلام الأوضح في تفسير ألم نشرح، وسيلة النجاة، جواهر البيان في أسرار الأركان، أصول الرشاد في تصحيح مباني الفساد، هداية البرية إلى الشريعة الأحمدية، إذاقة الآثام لمعاني المولد والقيام، تزكية الإيقان برد تقوية الإيمان وغيرها. (تذكرة علماء أهل السنة تعريبًا من الأردية، ٤٢).

جده

الشَّيخ رضا علي بن كاظم علي بن أعظم شاه بن سعاد يار الأفغاني البريلوي (١٢٨٢ هـ) سافر للعلم إلى مدينة طوك فلازم القاضي خليل الرحمن الرامبوري، قرأ عليه الكتب الدرسية، ثم رجع إلى بلدته، تصدر للتدريس، أخذ عنه كبار علماء الهند منهم ولده الشَّيخ الفقيه نقي علي خان رحمه الله تعالى.

نشأته

فقد نشأ في حجر والدِه المفتي نقي علي خان وهو أحد أعيان علماء البلد، وعُرف في صغره برجاحة العقل وحصافته، وقوة الذاكرة، فكانت نشأة الإمام في بيت العلم والعلماء، ودرَسَ العلمَ في مدرسة والده مصباح التهذيب المعروف بـ: مصباح العلوم، وقد اتجه منذ حداثة سنه ونعومة أظفاره إلى العلم، فبدأ بحفظ الحديث والمتون وهو دون عشر سنين، وتعلم القرآن وعلوم العربية منذ صغره، حتى بدأ يتكلم اللغة العربية الفصحى وعمره أقل من عشر سنوات، لقد تتلمذ المؤلفُ على صفوة الأساتذة، وفرغ من التعلم والدراسة وجلس للتدريس والإفتاء وعمره لم يتجاوز أربع عشرة سنة، ولم يزل بعد تخرجه يبحث ويدرس أنواعًا من العلوم والفنون. (نُزهة الخواطر، ٨/ ١١٨١).

سفره الأول لزيارة الحرمين الشريفين:

حجَّ الإمام أحمد رضا خان سنة ١٢٩٥ هـ مع والده الكريم، حيث طلب مفتي الشافعية في المسجد الحرام الشَّيخ حسين بن صالح جمل الليل أن يترجم كتابه المنظوم "الجوهرة المضيئة" في أحكام الحج إلى اللغة الأردوية، فترجمه وقام بشرحه وسماه بـ "النيرة الوضيَّة في شرح الجوهرة المضيئة" ثم علق عليه وحشاه، وسماه بـ " الطُّرَّة الرَّضية" وفي الزيارة نفسها التقى مع الشَّيخ أحمد زيني ابن دحلان المكي رحمه الله تعالى أيضًا. (النيرة الوضيَّة شرح الجوهرة المضيئة مطبوع مع الفتاوى الرضوية، ١٠/٧٧٣).

عقيدته

هو من أهل السنة والجماعة المبني على التقيُّد بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وفقه السلف والأئمة رضي الله عنهم أجمعين، وفق منهج الذي رسمه الإمام الماتريدي والأشعري رحمهم الله تعالى، وكتابه المستند المعتمد بناء نجاة الأبد وقوارع القهار في الرد على المجسِّمة الفُجَّار في علم العقيدة خير شاهد لهذا.

عبقريته في الفقه الإسلامي:

حصل الإمام أحمد رضا خان على إجازة في الإفتاء في الرابعة عشر من عمره، فكانت مدة عمله في الإفتاء أكثر من خمسين سنة، وكان رحمه الله تعالى واسع المعرفة بالمذهب الحنفي ودقائقه، له قرابة ثلاثمائة كتاب في الفقه، منها: جد الممتار على حاشية ابن عابدين في سبعة مجلدات، وكفل الفقيه الفاهم في أحكام قرطاس الدراهم الذي أجاب فيه علماء الحرم الشريف حول مسألة الأوراق النقدية التي أعيتهم، وأعظم كتبه (العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية) في ثلاثة وثلاثين مجلداً، والتي تعتبر موسوعة في الفقه الإسلامي، ودائرة علومٍ ومعارف، من نظر فيها يتعجب من بصيرة الإمام الفقيهة، ودقة نظره وبحثه وتحقيقه، وهذا ما شهد به كبار العلماء في رياسة الإمام أحمد رضا.

وفاته:

توفي الإمام أحمد رضا خان رحمه الله في يوم الجمعة ٢٥ من صفر سنة ١٣٤٠ هـ. الموافق ٢٨ تشرين الأول ١٩٢١ م، حيث شاع خبرُ وفاته، فوَفَدَ الناسُ من كل فج عميق للمشاركة في تشييع جنازته وتقديرًا لشخصيته الكريمة، فدفن في بريلي بالهند.

أسأل الله العظيم أن ينفعني والأمة الإسلامية بما ترك الإمام الجليل من مؤلفات عظيمة، وأن يُوحِّد شملنا ويجمعنا على طاعته ورضاه، إنه نعم المولى ونعم النصير.

تعليقات



رمز الحماية