مدونات مختارة
الأكثر شهرة
مناجاة الصالحين بالانكسار لربّ العالمين | طارق المحمد
المعصية وبال على المؤمن وخطر على إيمانه، والطاعة والقربة سبب لزيادة الإيمان وتقويته، والتوبة بداية السالكين ونهاية المريدين وبها كان يلهج سيد العابدين ﷺتعليماً لأمته، يتوب لا عن ذنب أو معصية حاشاه ﷺوهو المعصوم، والإيمان يقوى بفعل الطاعات ويضعف بتركها وعمل المعاصي نسأل الله العافية، والتضرع إلى الله تعالى من أهم وسائل استشعار القرب الإلهي واستمطار عفوه ورحمته ومغفرته، ولذلك كان النبي ﷺ سيد المتضرعين والداعين لرب العالمين كان يقول في دعائه:
اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا أنْتَ (صحيح البخاري: ٦٣٠٦)
وكان يقول: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيايَ الَّتي فِيها معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيها معادِي، واجْعَلِ الحَياةَ زِيادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، واجْعَلِ المَوْتَ راحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ (صحيح مسلم: ٢٧٢٠).
وكان يقول: اللّهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيءٍ، فالِقَ الحَبِّ والنَّوى، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ والْفُرْقانِ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بناصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الباطِنُ فليسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقْضِ عَنّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنا مِنَ الفَقْرِ (صحيح مسلم: ٢٧١٣).
وغيرها من الأدعية الكثيرة وليس المقصود "الاستقصاء" هنا ولكن المقصود هو "الدعاء والتضرع إلى الله والانكسار له بالتوبة"، وهذا هو مسلك الصالحين والأولياء العارفين، كانوا يناجون الله تعالى مقتدين برسول الله ﷺ، ومن أروع الأدعية في التعبير عن الحال في المناجاة لرب الأرباب ما ذكره سيدي أبي العباس المرسي رحمه الله تعالى في حزبه نذكره مع جواب من إمام كبير هو الإمام السيوطي رحمه الله تعالى، يقول سيدي أبو العباس المرسي رحمه الله تعالى (أحمد بن عمر المرسي، أبو العباس، شهاب الدين: فقيه متصوف، من أهل الإسكندرية، لأهلها فيه اعتقاد كبير، إلى اليوم. أصله من مرسية في الأندلس. (الأعلام للزركلي)) :إلهي معصيتك نادتني بالطاعة، وطاعتك نادتني بالمعصية، ففي أيهما أخافك وفي أيهما أرجوك؟ إن قلت بالمعصية، قابلتني بفضلك فلم تدع لي خوفا، وإن قلت بالطاعة، قابلتني بعدلك فلم تدع لي رجاء، فليت شعري كيف أرى إحساني مع إحسانك! أم كيف أجهل فضلك مع عصيانك؟
أجاب عن السؤال خاتمة الحفاظ سيدنا الإمام السيوطي الشافعي المصري رحمه الله في "الحاوي للفتاوي":
الجواب: حسبما ظهر قوله: "إلهي معصيتك نادتني بالطاعة": يعني لما يتسبب عنها من الندم والخوف والانكسار والذل ورجاء التوبة والاعتراف بالتقصير ونزول المرتبة، وطاعتك نادتني بالمعصية لما قد ينشأ عنها من أضداد ذلك ومن مخالطة العجب والرياء.
وفي معنى ذلك ما أخرجه أبو الشيخ بن حيان في كتاب الثواب عن كليب الجهني عن النبي ﷺ قال: قال الله عز وجل:
(لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن من العجب ما خليت بين عبدي المؤمن وبين الذنب).
وما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة مرفوعا:
( لولا أن المؤمن من يعجب بعمله لعصم من الذنب حتى لا يهم به، ولكن الذنب خير له من العجب).
وما أخرجه أبو نعيم وغيره من حديث أنس وأبي سعيد مرفوعا:
(لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك، العجب العجب).
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس عن النبي - ﷺعن جبريل يقول الله عز وجل:
(وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك)
ذكره في أثناء حديث طويل... وأيضا فالطاعة قد تكون مذمومة لنقصانها بتخلف أمور ينبغي أن لا يتخلف عنها ، كالذكر ينبغي أن يقارنه حضور القلب، ولهذا قال بعض الأولياء: استغفارنا يحتاج إلى استغفار، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يقارنه الائتمار والانتهاء، ولهذا قال تعالى في معرض الإنكار والتوبيخ:
أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّوَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ [البقرة: 44]
(قال البيضاوي رحمه الله تعالى في تفسيره: والآية ناعية على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه سوء صنيعه وخبث نفسه، وأن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل، فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل لتقوم فيقيم غيره، لا منع الفاسق عن الوعظ فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر.)
في أحاديث كثيرة في ذمّ من أمرَ بالمعروف ولم يأتمر به، ونهى عن المنكر ولم ينته عنه، وكالصلاة ينبغي أن تكون ناهية عن الفحشاء والمنكر كما وصفها الله تعالى بذلك، وكالصوم ينبغي أن ينزه عن الغيبة ونحوها ففي الحديث عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قال: قال رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ لَم يَدَعْ قَوْلَ الزُوْرِ والعَمَلَ بِهِ والجَهْلَ فَلَيْسَ للّه حَاجَةٌ فِي أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ" (رواه البخاري وأبو داود واللفظ له).
إلى غير ذلك من أفراد الطاعات التي لا تحمد ما لم تبلغ رتبة الكمال وتخلص من شوائب النقصان.
ورحم الله سيدي ابن عطاء الله السكندري القائل:
"رب معصية أورثت ذلا وانكسارا*****خير من طاعة أورثت عزا واستكبارًا".
قوله: إن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك، أي: ذكرتني فضلك وسعة رحمتك ومغفرتك فلم تدع لي خوفا وفتحت لي أبواب الرجاء، في الحديث: عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
(والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) (صحيح مسلم: 2749).
إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا المعنى قوله: وإن قلت بالطاعة قابلتني بعدلك، أي: ذكرتني ما لي من الذنوب وما في طاعتي من التقصير الذي يكاد أن يمنعها من الاعتداد بها فضلا عن تكفير الخواتم. انتهى. (الحاوي للفتاوي: 283/2-287)
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية
تعليقات