مدونات مختارة
الأكثر شهرة
حكم السجود لغير الله تعالى على وجه التحية وللقبور | المفتي محمد حسان رضا العطاري المدني
دار إفتاء أهل السنة
التاريخ: 26-10-2023
رقم المرجع :HAB-0126
حكم السجود لغير الله تعالى على وجه التحية وللقبور
السؤال:
ما حكم السجود لغير الله تعالى على وجه التحية وللقبور؟ وهل يصحّ هذا عند أحد من العلماء؟
أتمنى أن تجيبوني بالتفصيل، جزاكم الله خيراً ونفع بكم.
الجواب:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد فأقول مستعيناً بالله مسترشداً به عزّ وجلّ في طلب الصواب.
لا تجوز السجدة لغير الله تعالى تعبّداً كانت أو تحيّةً في شريعتنا الإسلامية الغراء، أما سجدة العبادة لغير الله تعالى فهي شرك واضح لا شك في كفر فاعلها، ولم تجز قط لا في شريعتنا الإسلامية ولا في شريعة من قبلنا، وأما سجود التحية لأحد سوى الله تعالى فحرام في الشريعة المحمدية، وكانت هذه السجدة جائزة في الشرائع السابقة، ولكنها نسخت في الشريعة المحمدية، ولا شك ولا ريب في حرمتها وهي كبيرة من الكبائر، وأما كونها مستلزمة للكفر فاختلف العلماء في ذلك، فروي عن جماعة من الفقهاء التكفير، ولكنه محمول على الكفر الصوري عند التحقيق، والصحيح حرمته.
تنبيه: ألف إمام أهل السنة الشيخ أحمد رضا خان القادري الماتريدي الحنفي رحمه الله تعالى رسالة في هذا الباب باللغة الأردية سماه بـ"الزبدة الزكية في تحريم سجود التحية" فأثبت حرمتها من نصوص القرآن وأورد أربعين حديثًا في تحريمها ونقل النصوص الفقهية في كونها من الكبائر،
قال رحمه الله في بداية هذه الرسالة: أيها المسلم! أيها التابع للشريعة المصطفوية! اعلم وتيقن أنّ السجدة لا تكون لأحد سوى الله عزّ وجلّ، وسجدة العبادة لغيره تعالى شرك مهين وكفر مبين بالإجماع، وسجدة التحية حرام ومن الكبائر باليقين، واختلف علماء الدين في كفرها، فنقل فيه عن جماعة من الفقهاء التكفير وهو محمول على الكفر الصوري عند التحقيق، نعم! يحکم بالتكفير مطلقًا على من سجد لصنمٍ أوصليبٍ أو شمسٍ أو قمرٍ ونحوها كما في شرح المواقف وغيره من الأسفار، وأما السجدة للمشايخ والقبور فليست بجائزة ولا مباحة كما ادعى ذلك زيد (المذكور في السوال) فهي دعوى باطلة وليس ذلك بشرك حقيقي غير مغفور كما ظنت الوهابية ظنًّا باطلاً بل هو حرام من الكبائر والفحشاء، فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. (الزبدة الزكية لتحريم سجود التحية ضمن الفتاوى الرضوية ٢٢/٤٣٠ طبع لاهور، تعريبًا من الأردية)
وإليك النصوص: قال الله تبارك وتعالى:
وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرۡبَابًاۚ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٨٠ [آل عمران:۸۰]
قال الإمام البيضاوي والشيخ أبو السعود والشيخ ابن حيان والزمخشري واللفظ للبيضاوي: قوله: إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٨٠ دليلٌ على أنَّ الخطاب للمسلمين وهم المستأذنون لأن يسجدوا له . (وتفسير البحر المحيط ٣/٢٣٥ وأنوار التنزيل٢/٢٥ و إرشاد العقل السليم ٢/٥٣ والكشاف ١/٣٧٨)
قال العلامة السيوطي رحمه الله تعالى: أخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، نسلِّم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: لا ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الْحق لأهله؛ فإنَّه لا ينبغي أن يسْجد لأحدٍ من دون الله فأنزل الله تعالى:
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ
إلى قوله:
بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ ٨٠ [آل عمران:79-80] ( الدر المنثور ٢/ ٢٥٠ دار الفكر)
وروى الإمام أبو داود بسنده عن قيس بن سعد رضي الله تعالى عنه، قال:
أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فقلت: رسول الله أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت يا رسول الله أحق أن نسجد لك، قال: أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟ قال: قلت: لا، قال: فلا تفعلوا، لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ النساء أن يسجدن لأزواجهنّ، لما جعل الله لهم عليهنّ من الحق. (سنن أبي داود ٣/٤٧٥ رقم ٢١٤٠ مؤسسة الرسالة)
ورى الحافظ ابن حبان بسنده عن ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما قال:
لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: يا رسول الله قدمت الشام، فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فأردت أن أفعل ذلك بك، قال: فلا تفعل؛ فإني لو أمرت شيئًا أن يسجد لشيءٍ، لأمرتُ المرأة أنْ تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها، وهي على قتب لم تمنعه. (صحيح ابن حبان ٩/٤٧٩ رقم ٤١٧١ مؤسسة الرسالة)
وقد ذكر الإمام أحمد رضا خان الحنفي رحمه الله في رسالته المذكورة: الأحاديث في الباب عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عند الترمذي وابن حبان والحاكم والبزار البيقهي، وعن أنس رضي الله تعالى عنه عند أحمد والنسائي والبزار وأبي نعيم، وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنهما عند البيهقي وأبي نعيم في الدلائل، وعن يعلى بن مرة رضي الله تعالى عنه عند أحمد والحاكم والطبراني في الكبير والبيهقي وأبي نعيم في الدلائل والبغوي في شرح السنة، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها عند أحمد، وعن ثعلبة بن أبي مالك وغيلان بن سلمة الثقفي رضي الله تعالى عنهما عند أبي نعيم، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما عند الطبراني في الكبير، وجابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عند عبد بن حميد وأبي بكر بن أبي شيبة والدارمي وأحمد والبزار والبيقهي، وعن بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه عند البزار والحاكم وأبي نعيم، وعن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عند الإمام أحمد وأبي بكر بن أبي شيبه والطبراني والحاكم، وعن قيس بن سعد رضي الله تعالى عنه عند أبي داود والطبراني في الكبير والحاكم والبيقهي، وعن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه عند الطبراني في الكبير والضياء في المختارة، وعن سراقة بن مالك بن جعشم وطلق بن علي وأم المؤمنين أم سلمة وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم عند الترمذي.
انظر لتفصيل التخريج والنصوص رسالة "الزبدة الزكية لتحريم سجود التحية"
وفي الفتاوى الهندية: من سجد للسلطان على وجه التحية أو قبّل الأرض بين يديه لا يكفر ولكن يأثم لارتكابه الكبيرة، هو المختار. (الفتاوى الهندية ٥/٣٦٨ طبع دار الفكر)
وفي المحيط البرهاني : قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: من قبَّل الأرض بين يدي السلطان أو أميرٍ، أو سجد له، فإن كان على وجه التحية لا يكفر، ولكن يصير آثماً مرتكباً الكبيرة، أما لا يكفر؛ لأن السجدة على وجه التحية نفسها ليس بكفر، ألا ترى أنَّ السجدة لغير الله تعالى على سبيل التحية كانت مباحة في الابتداء، والكفر لم يبح في زمان، والدليل على صحة ما قلنا أنَّ الله تعالى أمر الملائكة بسجدة لآدم عليه السلام، ولا يجوز أن يكون الكفر مأموراً به. (المحيط البرهاني في الفقه النعماني ٨/١٧٧ دار التراث الإسلامي)
قال في جامع الفصولين: وإنما أثم لو سجد على وجه التحية لارتكاب ما حرم ونهي عنه. (جامع الفصولين ٢/٣١٤ طبع كراتشي)
وقد ذكر الإمام أحمد رضا خان رحمه في رسالته "الزبدة الزكية لتحريم سجود التحية" مائة وخمسين نصًّا من الكتب الفقهية في تحريم سجدة التحية، فليراجعها من شاء بالتفصيل.
وممن نصَّ على تحريمها الشيخ أمجد علي الأعظمي تلميذ الإمام أحمد رضا خان في الفتاوى الأمجدية ٤/١١، والشيخ الکبير مولانا أختر رضا خان الأزهري حفيد الإمام أحمد رضا خان رحمهم الله تعالى في فتاواه ١/٤٨٠ وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة في الهند وباكستان.
کتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
أبو حمزة محمد حسان العطاري
١٠ ربيع الآخر ١٤٤٤هـ/٢٦ أكتوبر ٢٠٢٣ م
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية
تعليقات