الصوم في الإسلام | الشيخ محمد محمود مسلماني


نشرت: يوم الثلاثاء،26-مارس-2024

الصوم في الإسلام

يشهد المسلمون في كل عام موسمًا عظيمًا من مواسم الخير والبركة، في شهرٍ هو سيدُ الشهور، وفيه يؤدُّون عبادةً وفريضة من فرائض الله جل وعلا، وهي ركن من أركان الإسلام، فما هي هذه العبادة؟

إنها الصيام في شهر رمضان

فينبغي على المسلم أن يتعلّم ما يصحّح به هذه العبادة الجليلة التربوية، وأن يعرف معنى الصوم، ومشروعيته، وأنواعه، ووقته، وفضائله، وما إلى ذلك؛ حتى يدخل فيه بالشوق والرغبة لاغتنام فوائده ونفحاته وأنواره وأسراره، وإليكم نبذة عن ذلك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يفتح لنا ولكم ما هنالك.

ما معنى الصوم؟

لغة:

الصوم في اللغة: الإمساك مطلقاً؛ نعني سواء أكان ما تُمسِكُ عنه كلاماً أم فعلاً، وسواء أكان الفعل أكلاً أم شرباً أم غيرهما، وفي القرآن الكريم:

إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّٗا. [ مريم: 26]

ذكر المفسرون أن المراد به الإمساك عن الكلام. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي دار الكتب العلمية: 11/67) (سبيل الفلاح في شرح نور الإيضاح: صـ 189)

شرعًا:

والصوم في الشرع " هو الإمساك عن أشياء مخصوصة وهي الأكل والشرب والجماع بشرائط مخصوصة". (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع علاء الدين الكاساني الحنفي المتوفى 587 هـ: صـ 577)

وتوضيحًا لذلك نقول: هو الإمساكُ نهارًا من طلوع الفجر الصادق المستطير في الأفق إلى غروب الشمس عن إدخال شيء عمداً أو خطأً (1) سواءٌ أدخلَه بطنًا أو ما له حكم الباطن، وسواءٌ أكان يُؤكَلُ عادةً أو غيرَه، والإمساك أيضًا نهارًا عن شهوة الفرج مع النية لتتميز العبادة عن العادة من أهله، أي الشخص المجتمع فيه شروط الصحة وهي الإسلام والعقل والطهارة من الحائض والنفساء والمجنون والكافر. (الطحطاوي علی مراقي الفلاح:347)، والاختيار (1: 125 – 128) والبدائع (2/75).

(1) يخرج بقوله خطأ: الناسي. والمخطئ: من سبقه ماء المضمضة إلى حلقه من غير عمد.

ما معنى رمضان؟

رمضان هو اسم من مادة (رَمَضَ) والرَّمَضُ: شدَّةُ وَقْعِ الشمسِ على الرَّمْل وغيره، ورَمَضَ يومُنا: إذا اشتَّد حرُّه، ورمضان من هذا اشتقاقه. قيل إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سمَّوها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيامَ رمَضِ الحَرّ فسمي بذلك. (مختار الصحاح: صـ 225)

متى فرض صيام رمضان على المسلمين؟

* وقال الذهبي في (المغازي) من (تاريخ الإسلام) في أحداث السَّنَة الثانية:

وفي رمضان فرض الله صوم رمضان ونسخ فريضة يوم عاشوراء. (تاريخ الإسلام للذهبي: 2/126)

* وقال ابن كثير: قال ابن جرير: وفي هذه السنة فُرض -فيما ذكر- صيامُ شهرِ رمضان، وقد قيل: إنَّه فُرِض في شعبان منها. (البداية والنهاية لابن كثير: 3/354)، و(تاريخ الطبري: 2/417).

ركن من أركان الإسلام

فصوم رمضان ركن من أركان الإسلام، فرضه الله على المسلمين في شعبان على الأصحّ، وهو فرض عين أداء وقضاء، على من توفرت فيه شروط الوجوب، ويكفّر جاحده، ويفسّق تاركه، وقد ثبتت فرضيته بالقرآن والسنة والإجماع:

أ: القرآن:

قوله الله تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣. [ البقرة: 183]،

وقال الله عز وجل

فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ [ البقرة: 185]

ب: السنة:

قال رسول الله ﷺ:

بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان. (رواه البخاري ومسلم)

وقوله ﷺ:

صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته. رواه البخاري ومسلم

ج: الإجماع:

أجمع العلماء على فرضية صوم رمضان وأنه ركن من أركان الإسلام. (التمهيد لما في المؤطأ لابن عبد البر: 9/138، دار الكتب العلمية)

مشروعية الصوم

لقد دل قوله جل جلاله في الآية الكريمة:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ [ البقرة: 183]،

على أن الصيام شرعٌ عامٌ لهذه الأمة ولسائر الأمم قبلها؛ لأنه مصلحة بشرية أساسية ومرتبة كمال سامية، ولكنْ تختلف عدته وأوقاته؛ ففي بعض الشرائع فرض صيام الدهر كما ورد عن شريعة نوح عليه السلام وذلك لمناسبة أجسامهم القوية، وفي بعض الشرائع فرض صيام خمسين يوما،

وهكذا اختلفت العدة والأوقات حسب الاختلاف في الاستعدادات والقابليات، وقد فرض الله تعالى على هذه الأمة المحمدية التي هي أفضل الأمم أن تصوم أفضل شهر في السنة ألا وهو شهر رمضان، وهذا أكمل تشريع للصيام، وأفضل تقدير لمصلحة الأنام. (الصيام للإمام عبد الله سراج الدين رحمه الله تعالى. صـ 10)

أقسام الصيام

والصيام ينقسم إلى خمسة أقسام:

الأول: فرض:

* وهو صوم رمضان أداءً، وقضاءً، وفدية الأذى في الإحرام، وجزاء الصيد.

* وصوم الكفارات بأنواعها: مثل كفارة اليمين، والقتل، والظهار، والصيام، وغيرها لثبوت ذلك بالأدلّة القطعية من القرآن والإجماع.

الثاني: واجب:

* وهو عند الحنفية قضاء ما أفسده من نفل.

* وإتمام النفل بعدما شرع فيه لقوله تعالى:

وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ ٣٣. [ محمد: 33 ]

* وصوم المنذور المطلق والمعين.

* وصوم الاعتكاف المنذور فمن نذر أن يعتكف عشرة أيام وجب عليه أن يصومها وهو في معتكفه، والصوم سنة عند الشافعية.

الثالث: نفل:

تحته قسمان: نفل مسنون ونفل مستحب وسيأتي بيانه.

الرابع والخامس: مكروه:

وله قسمان:

مكروه تنزيهًا:

كصوم يوم عاشوراء منفردًا عن التاسع أو عن الحادي عشر، وإفراد صوم يوم الجمعة، وإفراد يوم السبت، وإفراد أول يوم من أيام الربيع ويسمى "يوم النيروز"، وإفراد أول يوم من أيام الخريف ويسمى "يوم المهرجان"، وهذان اليومان عيدان عند الفرس فإن وافقا عادته فلا بأس بصيامهما، وصوم الوصال: وهو أن يصل يوم الغد بما قبله من غير أن يتناول مفطرًا وذلك إن لم يشقّ عليه أو يضعفه، وصوم يوم الشك: وهو إن تردّد في النية بين الفرض والنفل في يوم الثلاثين من شعبان إن غُمّ هلال رمضان، وله تفاصيل في كتب الفقه، وصوم الدهر: إن كان لا يضعفه؛ لأنه يصير طبعًا، ومبنى العبادة على مخالفة العادة، وكره صيام يومٍ أو يومين من آخر شعبان على قصد أن يكون من رمضان.

ومكروه تحريما:

وهو صوم يومي العيدين: عيد الفطر، وعيد النحر-العاشر من ذي الحجة- وسبب كراهته الاعراض عن ضيافة الله ومخالفة الأمر، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن صوم يومين يوم الفطر ويوم النحر.

- وصوم أيام التشريق الثاني والثالث من أيام عيد الأضحى لورود النهي عن صومها ولقوله صلى الله عليه وسلم:

أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل. رواه مسلم

من فضائل الصيام:

1-تكفير الخطايا والذنوب.

2-رفعة الدرجات ومضاعفة الحسنات.

3-الصيام مقام منيف ومنصب شريف لذلك أضافه الله تعالى إليه إضافة تشريف.

4-الملأ الأعلى من الملائكة وغيرهم يشمون خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك.

5-الملائكة عليهم السلام يصلون على الصائم ويستغفرون له.

6-الله عز وجل يباهي الملائكة بالصائمين.

7-اختصاص الصائمين بدخول الجنة من باب الريان.

8-فرحة الصائم عند فطره بتوفير أجره عند تمام صومه وسلامته عن قاطع يقطعه عنه، وفرحته عند لقاء ربه....... وكل ذلك وارد في الأحاديث النبوية الشريفة.

أنواع صوم التطوع:

صوم التطوع ثلاثة: مسنون، ومندوب، ونفل.

أما المسنون: فصيام يوم عاشوراء ويستحب أن يصوم معه التاسع أو الحادي عشر.

والمندوب: وهو كل صيام وُعِد على فعله بثواب:

أ: صوم ثلاثة من كل شهر ويندب كونها الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر

ب: صوم الاثنين والخميس

ج: صوم ست من شوال

د: الصيام في شعبان

ه: صوم يوم عرفة لمن ليس بعرفة

و: صوم العشر الأول من ذي الحجة

ز: صوم يوم وإفطار يوم

أما النفل: هو سوى ما تقدم ويدخل فيه كل يوم أراد المسلم صيامه ولم يرد في الشرع نهي عنه. (الموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامي: 28/87)

خاتمة ودعاء

نسأل الله تبارك وتعالى أن يبلغنا صيام شهر رمضان لا فاقدين ولا مفقودين، بخير ولطف وعافية، والحمد لله أولاً وآخراً وصلاةً وسلامًا على سيدنا محمد الذخر في الدنيا والآخرة وعلى آله وصحبه الأنصار والمهاجرة.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية

تعليقات



رمز الحماية