الخلافات الزوجية وطرق إصلاحها | أم حيان العطارية


نشرت: يوم الإثنين،24-نوفمبر-2025

الخلافات الزوجية وطرق إصلاحها

هذا المقال من مجلة نفحات المدينة: 18

اهتم الإسلام الحنيف بالعائلة؛ لأنها أساس المجتمع، واهتم كثيرًا بتصحيح الخلافات الزوجية وطرق إصلاحها من خلال خطوات مهمة، حتى نزل القرآن الكريم بآيات تعالج فيها الخلافات الزوجية وطرق الصلح، أو الانفصال عند عدم الوصول إلى حل يرضي الطرفين، والنشوز الذي يحصل من المرأة يسمى أيضاً العصيان للزوج وله قسمان: بالقول أو الفعل:

فمن مظاهر النشوز القولي سوء الكلام وعدم الاستجابة لما يقوله الزوج.

وأما النشوز الفعلي فهو عدم طلاقة الوجه، والخروج من بيتها بدون علمه، وتصرفات كثيرة قد تثير غضب الزوج، ولأجل ذلك وما يقع من المشاكل فإن الإسلام وضع حلولا لمعالجة هذه المشاكل بين الزوجين، ولا يوجد قانون مما وضعه البشر أفضل وأعدل من قانون الخالق سبحانه وتعالى، فهو خالق البشر ويعلم ما يصلحهم، فقد جاء الإسلام بحلول منطقية تحقق للبشرية الاستقرار العائلي

فما يحدث الآن من مشاكل أسرية هي في الأساس بسبب ابتعاد كلا الزوجين عن تعاليم الإسلام، وعدم تطبيق توجيهاته وأوامره، والتجرّؤ على ما نهى عنه، فتكون النتيجة في ذلك تفكك أسري وتشرد للأولاد وجيل يتربّى هكذا مشتت وبعيد عن القوانين التي أنزلها الله وبذلك يضر من حوله، وتتكرر القصص والمآسي العائلية يوميًّا مادام الناس في بعد عن الإسلام وأحكامه التشريعية الحكيمة، فالله تعالى قال في كتابه العزيز:

وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُن  (النساء: 34)

علاجان مهمان:

العلاج الأول الذي أمر الله به هو الموعظة، والموعظة تكون مؤثرة عندما تكون موعظة حسنة، فالله أمر نبيه موسى عليه السلام عندما ذهب إلى فرعون أن يقول له قولاً لينًا، وهكذا أيّ موعظة يجب أن تكون برفق ولين حتى تقع في قلب المخاطب، وتؤثر فيه.

وكذا الموعظة حتى تكون مؤثرة لابد أن تكون سرًّا بينه وبين زوجته، نصحاً يهدف إلى تغيير سلوك المرأة؛ لأن بعض النفوس تتأثر بالنصح وتتغير من خلال الترغيب فأمر الله بالنصح، والنصيحة لا تكون بالفضيحة بل سرًّا حتى نجني ثمارها.

وأما العلاج الثاني فهو هجران الزوجة، فإذا كانت المرأة لا تسمع للنصح ففي الهجران قد تراجع نفسها وترجع إلى صوابها، وتقف عند حدها ولا تتجاوز، فإن بعض النفوس ترجع إلى الحق بالترهيب فلذا أنزل الله آيات العقاب، فكما أن هناك نفوساً ترجع إلى الحق بالترغيب فهناك أناس أيضاً يرجعون إلى الله خوفًا من عقابه، فالهجر هو العلاج الثاني ثم يأتي الضرب وهو آخر الحلول، وله شروط وهو عند انحرافها عن الصراط المستقيم فتكون بحاجة إلى التأديب.

ويرى أغلب العلماء أن الهجر من الحكمة البالغة وهو أنجع في تصحيح العلاقات الأسرية، وهكذا يجب لكل مرحلة من هذه المراحل أن تأخذ فترة حتى تراجع المرأة نفسها وتعرف الخطأ وتعلم عدم التساهل معه، فالانتفال من مرحلة الوعظ إلى الهجر ثم الضرب كل ذلك يتتطلب فترة زمنية وحكمة من الزوج، فأما المرأة التي تستجيب للموعظة والهجر فلا يجوز أن تضرب.

ولا يأتي جاهل فيقول ما هذه الأحكام؟!! ويعترض على أحكام الإسلام الشرعية، فهذا إنما يحمل من كفة واحدة، فالإسلام أعطى كل الناس حقوقهم ولم يظلم أحدًا، والغاية من كل هذا ليس هو مجرد العقاب إنما هي المحافظة على الأسرة، ونحن نرى كيف أن الغرب تفكك بسبب انهيار الأسرة، ولننظر إلى الأحاديث النبوية التي حثت على الوصية بالنساء كثيرة، فمنها الحديث المشهور في خطبة حجة الوداع استوصوا بالنساء خيرا (صحيح مسلم: 1468)

والله تعالى قال في كتابه الكريم

وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ   (البقرة: 282)

فالواجب على الطرفين هو معرفة ما له وما عليه من الحقوق، ومخافة الله تعالى هي التي تجعل المرء يراقب نفسه ويخشى ربه في السر والعلن، والله تعالى قال بعد كلامه عن الموعظة والهجر والضرب:

فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا  (النساء: 34)

وهكذا نرى أن الله عز وجل يذكّر المؤمنين بأنه عليٌّ كبيرٌ؛ ليتذكروا قدرته وكبريائه، يذكرهم بهذا حتى لا يبغي أحد على زوجته ويظلمها، تذكروا أن الله يعاقبكم إن بغيتم على نسائكم.

والمرأة المسلمة العاقلة هي التي تخاف أن تخسر آخرتها، وتسعى في رضا مولاها، وتعرف حقوق زوجها، فهناك أمور أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة بها، وأخرى أمرها باجتنابها، فعليها أن تعرفها، وهي رضا الزوج واجتناب سخطه، وعدم الخروج من بيتها إلا بعلمه، وعدم استقبال أحد في بيتها لا يحبه، والصوم في غير رمضان إلا بإذنه، لقوله ﷺ: لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه (صحيح البخاري:5192)

وكذا لا تمنعه من نفسها، فالتي تجاهد في رضا ربها تتعلم أحكام الدين وحقوق الزوج وطاعته وما لها وما عليها، قبل أن تفكر في الزواج، فيجب التفقه في الأمور الأساسية في دين الله حتى لا تظلِم ولا تُظلَم.

وأهم من ذلك كله أن تعلم أن الإسلام رفع شأنها ووضع لها حقوقا وواجبات ونفقة على من يلي أمرها، فأعزها ولم يظلمها بينما الغرب الذين يتظاهرون في تكريم المرأة لا ينفق الزوج على زوجته، بل تعمل حتى تنفق على نفسها وجسمها يمر في حالات ضعف شهرية وسنوية، ولذلك فإن الاسلام رحمها وأوجب نفقتها على زوجها ولو كانت غنية، ورفع قدرها حيث جعل رضاها سببا في دخول الجنة حيث قال النبي الكريم ﷺ: أمك ثم أمك ثم أمك أي تكريم أعظم من هذا؟! (صحيح مسلم: 6501)

المسلمة التي تحب ربها وترى عظمة تشريعه وتكريمه لها في كل شيء، تراعي الحقوق والواجبات ومالها وما عليها، وترجو رضا الله تعالى عنها في كل عمل تعمله في بيتها، وتنوي بها التقرب إلى الله وتخلِص في ذلك فتنفلب عاداتها اليومية من عمل وتنظيف وترتيب وإعداد الطعام إلى عبادة تتقرب بها إلى ربها بإخلاصها في عملها كي يرضى الله عنها، فإنما الأعمال بالنيات ونية المرء خير من عمله.

تعليقات



رمز الحماية