مدونات مختارة
الأكثر شهرة
لمحة موجزة عن كتاب مسند الإمام الأعظم (الجزء الأول) | كامران أحمد العطاري المدني
كان الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى عالِمًا بالقرآن والحديث والسنة والفقه والجدل، وله قوة في الاستدلال عجيبة ودقيقة، ولهذا اختار خدمة الأمة بالفتوى وحلِّ المسائل التي حدثت بعد زمان النبي ﷺ، فلم يصنّف الإمام الأعظم رضي الله عنه كتابًا في الأخبار والآثار كما صنّف الإمامُ مالك رضي الله عنه "الْمُوَطَّأَ"، وإنما كان يُمْلِي فروع الفقه على تلاميذه، فإذا احتاج إلى دليل مسألة حدّثهم عن شيوخه من الأحاديث المرفوعة والموقوفة، وآثار التابعين بالسَّنَد المتّصل تارةً وأخرى بلاغًا وتعليقًا أو انقطاعًا، ولم يجلس للتحديث كعادة المحدّثين، ولهذا قلَّتْ روايتُه في الحديث، وإلا فهو من الحُفّاظ المكثّرين المتقنين.
منزلة الإمام الأعظم رحمه الله تعالى في الحديث:
كان رحمه الله تعالى إمامًا في الحديث الشريف، وقد ثبت بكتب التاريخ والأعلام والتراجم أنه كتب عن أربعة آلاف من أئمّة الحديث.
ومن زعم قلة اعتنائه بالحديث فهو من وجوه غير مهمة، فلا ريب أن الإمام الأعظم رحمه الله تعالى له اطلاع واسع على الأحاديث الكثيرة، وقد ذكر كثير من العلماء أن الإمام هو راوٍ من رواة السنة النبوية وحافظٌ من حفّاظ الحديث الشريف وإمام الأئمة، وإليكم بعض أقوال العلماء:
● قال ابن حجر رحمه الله تعالى: احذر أن تتوهم أن أبا حنيفة رضي الله عنه لم يكن له خبرة تامة بغير الفقه حاشا لله تعالى، كان في العلوم الشرعية من التفسير والحديث والعلوم الآلية الأدبية وغيرها والمقاييس الحكمية بحرًا لا يجارى وإمامًا لا يمارى، وقول بعض أعدائه فيه خلاف ذلك منشأه الحيد، وحجته الترفع على الأقران ورميهم بالزور.
● وقال الإمام الكاساني رحمه الله تعالى: إنه كان من صيارفة الحديث. (1)
● وعن النضر بن محمد رحمه الله تعالى قال: ما رأيت أحدًا أكثر آخذًا للآثار من أبي حنيفة رحمه الله تعالى. (2)
فعَلمنا من هذه الأقوال إنه كانت لديه أحاديث كثيرة بل رواها عنه أصحابُه كـ "محمد بن حسن الشيباني" و"أبي يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم" رحمهما الله تعالى، وبعدهم قام فحول علماء الحديث لجمع الأحاديث المروية عنه مسندًا، منهم بعض من الأئمة الثقات والحفاظ كـ "أبي نُعَيْم الأصفهاني"، و"ابن الْمُقْرِئ" رحمهما الله تعالى ولكن هذه المسانيد لم تطبع ولا ندرى هل هو موجود أم لا.
وجمع "أبو المؤيد محمد بن محمود العربي الخوارزمي" رحمه الله المتوفى سنة (٦٦٥ ه) في كتابه الموسوم:
بــــ "جامع مسانيد الإمام الأعظم" خمسة عشر من مسانيده التي جمعها له هولاء العلماء وغيرهم، وهي خمسة عشر مسندًا:
الأول:
مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث الحارثي المعروف بـ"عبد الله الأستاذ" (٣٤٠هـ) رحمه الله رحمة واسعة.
هذا الذي اختصره القاضي الإمام صدر الدين موسى بن زكريا (3) الحَصْكَفِيّ(4) (٦٥٠ هـ) بـ"القاهرة"، وإنك لا تجد في مختصره السند من الحارثي إلى الإمام الأعظم بل تجد كل الأحاديث مبدوءة من الإمام الأعظم؛ لأن الحَصْكَفِيّ قد حذف الأسانيد للحارثي إلى الإمام الأعظم فإن أردت أن ترى أسانيد الحارثي إلى الإمام فانظر في "مسند أبي حنيفة للحارثي"(5) فستجد كل حديث مسندًا من الحارثي إلى المنتهى.
ثم رتّبه الشيخ محمد عابد السِّنْدِيّ المدنيّ(6) رحمه الله تعالى على أبواب الفقه واشتهر اليوم بـ"مسند أبي حنيفة"(7) وقد شرحه أيضًا باسم "المواهب اللطيفة شرح "مسند أبي حنيفة": واقتصر فيه على رواية موسى بن زكريا الحصكفي، ورتّب أحاديثه على أبواب الفقه، وأكثر فيه من المتابعات والشواهد لأحاديثه وبيّن من أخرجها، وشمر ذيله لإيضاح مشكلها، ووصل منقطعها ورفع مرسلها، وتكلّم في مسائل الخلاف بقدر ما وسعه الحال.
الثاني:
مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو القاسم طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد المتوفى (380 هـ) العدل رحمه الله تعالى.
الثالث:
مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى بن محمد رحمه الله تعالى (۳۷۹هـ).
الرابع:
مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصفهاني رحمه الله تعالى (٤٣٠ هـ).
الخامس:
مسند له جمعه الشيخ الإمام الثقة العدل أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري الحنبلي رحمه الله تعالى (٥٣٥ هـ).
السادس:
مسند له جمعه الإمام الحافظ صاحب الجرح والتعديل أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني - رحمه الله تعالى (٣٦٥هـ).
السابع:
مسند له رواه عنه الإمام الحسن بن زياد اللؤلؤي رحمه الله تعالى (٢٠٤هـ).
الثامن:
مسند له جمعه الإمام الحافظ عمر بن الحسن الأشناني رحمه الله (۳۳۹هـ).
التاسع:
مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن خالد بن خلي الكلاعي رحمه الله تعالى (٤٣٢هـ).
العاشر:
مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو البلخي رحمه الله تعالى (٥٢٢ هـ).
الحادي عشر:
مسند له جمعه الإمام أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم الأنصاري رحمه الله تعالى (۱۸۲هـ) ورواه عنه ويسمى: "نسخة أبي يوسف".
الثاني عشر:
مسند له جمعه الإمام محمد بن الحسن الشيباني (۱۸۹هـ) رحمه الله تعالى، ورواه عنه ويسمى: "نسخة محمد"، مطبوع ومتداول.
الثالث عشر:
مسند له جمعه ابنه الإمام حماد بن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ورواه عن أبيه (١٧٦هـ).
الرابع عشر:
مسند له أيضا جمعه الإمام محمد بن الحسن الشيباني معظمه عن التابعين ورواه عنه ويسمى: "الآثار"، مطبوع ومتداول.
الخامس عشر:
مسند له جمعه الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوام السعدي (٣٣٥هـ) رحمه الله تعالى.
أخيرًا!
في المقال القادم سنتعرّف على المسند الأول من هذه المسانيد الخمسة عشر أي: مسند أبي حنيفة للحارثي، مع تعريف المسند، وبعضًا من شروحه أيضًا. نسأل الله تعالى أن يعلّمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علمًا وعملاً وبركة فيهما، إنه جواد كريم.
2- (أصول فخر الإسلام البزدوي، 1/30)
3- صدر الدين أبو عمران موسى بن زكريا بن إبراهيم بن محمد الساعدي الحصكفي، الفقيه الحنفي، قاضي آمد، ولد سنة ثمانين وخمس مائة (٥٨٠هـ)، وتوفي في صفر سنة (٦٥٠هـ) بـ"القاهرة"، ودفن جوار السيدة نفيسة رحمها الله تعالى، وله سبعون سنة، وهو المعروف بـ"مرتِّب المسند الإمام الأعظم"، قدم "حلب" رسولاً، وحدث بـ"القاهرة"، روی شيئًا عن الافتخار الهاشمي، وعنه: عبد المؤمن الدمياطي.
4- "الحَصْكَفِي": هي بفتح الحاء المهملة وسكون الصاد المهملة وفتح الكاف وفي آخرها "الفاء": نسبة إلى حَصْكَفاء مدينة من ديار "بكر"، وقال الملّا علي القاري في شرحه هذا "الحصفكي" نقلا عن شيخه مولانا عبد الله السندي، ولكن قال أكثر العلماء المؤرخين والمترجمين هي نسبة إلى "حصن كيفا" كما في العواصم والقواصم: هو الحصني والحصكفي كلاهما نسبة إلى حصن كيفا» هي بلدة وقلعة عظيمة تقع على ضفة الفرات الجنوبية بين "آمد" و"جزيرة ابن عمر" شمال الشام، وهي اليوم تابعة لولاية ماردين من المدن التركية. (الجواهر المضية في طبقات الحنفية: ۲۹۹/۲)، (تاريخ الإسلام للذهبي: ٤٥٦/٤٧) (شرح مسند أبي حنيفة للملّا علي القاري)
5- اعلم أن القاضي الإمام صدر الدین موسى بن زكريا الحصكفي رحمه الله تعالى جمع في مختصره في الأصل مسندين: أولهما "مسند الحارثي"، وثانيهما "مسند ابنه حماد"، وفيه الحديث الأول: حَمَّاد عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكَ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْهَا، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْحِي يَأْتِينِي مُحذِّبَةً وَمُسْتَقْبِلَةً فَكَرِهْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ)). وفي آخرهما ذكر ثمانية أحاديث مرويات الإمام عن الصحابة بغير واسطة.
6- الشيخ، محدّث الحجاز، الفقيه محمد عابد بن أحمد الأنصاريّ الخزرجيّ، السِّنْدِيّ مولدًا، الحنفي مذهبًا، النقشبندي طريقة، من ذرية أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه، ولد ببلدة "سَيْوَن" سنة (۱۱۹۰ هـ) (وهي في هذا الزمان بلد من السند في "باكستان") ويقال لها الآن "سِهْوَن" بلدة على شاطيء النهر شمالي حيدر آباد (السِّنْد) ومات رحمه الله يوم الاثنين ١٨ ربيع الأول سنة ١٢٥٧هـ، ودفن بالبقيع قبالة باب قبر عثمان. (فهرس الفهارس للإمام الكَتَّاني:1/364)، (2/720-722)، (الإمام الفقيه المحدث الشيخ محمد عابد السندي الأنصاري" لسائد بكداش، صـ ۲۱۷) (الأعلام للزركلي: 6/179)
7- هذا متداول في المدارس الباكستانية والهندية.
#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة
#مجلة_فصلية
تعليقات