عنوان الكتاب: مختصر المعاني

أمر لا يسعه مقدرة البشر وإنّما هو شأن خالق القوى والقدر، وأنّ هذا الفنّ[1] قد نضب اليوم ماؤه فصار جدالاً بلا أثر وذهب رُواؤه فعاد خلافاً بلا ثمر، حتّى طارت[2] بقيّة آثار السلف أدراج الرياح وسالت[3] بأعناق مطايا تلك الأحاديث البطاح، وأمّا الأخْذ[4] والانتهاب فأمر يرتاح له اللبيب فللأرض[5] من كأس الكرام نصيب، وكيف ينهر عن الأنهار السائلون


 



[1]  قوله: [وأنّ هذا الفنّ] أي: وعلماً منّي بأنّ فنّ البلاغة إلخ, ½نضب اليوم ماؤه¼ يقال ½نضَب الماء ينضُب¼ إذا غَارَ, ونضوبُ ماءِ الفنّ عبارة عن ذَهاب فائدته, ½جدالاً بلا أثر¼ أي: فصار التكلّم في هذا الفنّ خصومة بلا فائدة؛ وذلك لعدم وقوف متعاطيه على حقائق أسراره فيتكلّمون بظواهره, ½رُواؤه¼ أي: منظره الحسن, ½فعاد إلخ¼ أي: فصار ذلك الفنّ محلّ خلاف بلا فائدة, أو شَبَّه الكلامَ في هذا الفنّ بشجر الخلاف وهو لا ثمر له وهو المسمّى بالصفصاف.

[2]  قوله: [حتّى طارت] ½حتّى¼ للانتهاء أي: استمرّ الفنّ في الاضمحلال شيئاً فشيئاً إلى أن إلخ, والمراد بالسلفِ علماء الفنّ, وببقيّةِ آثارهم ما بقي من فوائدهم وعلومهم, والأدراج جمع دَرْج ودرجُ الكتاب طيّه, والمراد بها الطرق أي: ذهبت بقيّة آثار السلف في طرق الرياح, والرياح تزيل ما مرّت به في طريقها.

[3]  قوله: [وسالت] المطايا مستعار لعلماء الفنّ بجامع الحمل فإنّ المطايا تحمل الأثقال والعلماء يحملون العلم, والأعناقُ ترشيح, والمراد بالأحاديث أسرار الفنّ, والبطاح جمع أبطح وهو المحلّ المتسع فيه دقاق الحصى والمراد أمكنة العلماء كالمدارس وهو فاعل لـ½سالت¼ أي: سارت المدارس بأعناق العلماء الشبيهِيْنَ بالمطايا الحاملين لأسرار الفنّ, يعني أنّ أسرار الفنّ وعلماءه قد ذهبوا بل ذهبت مواضعهم.

[4]  قوله: [وأمّا الأخذ] يعني ما ذكرتم من تقاصر الهمم فذلك ممّا يحمل على الاختصار لولا أني أعلم أنّ مستحسن إلخ وأمّا الأخذ والانتهاب فليس ممّا يحمل عليه فإنّه أمر يرتاح له اللبيب أي: يفرح به كامل العقل فإنه يرضى بأن يأخذ الغير من كلامه لما فيه من الرفعة والثواب.

[5]  قوله: [فللأرض] هذا شطر بيت مأخوذ من قول بعضهم: شَرِبْنَا فَأَهْرَقْنَا عَلَى الأَرْضِ جُرْعَةً * وَلِلأَرْضِ مِنْ كَأْسِ الْكِرَامِ نَصِيْبُ, لكن الشارح أبدل الواو بالفاء لكونه جعله علّة لما قبله, شبّه الشارحُ نفسَه بالكرام و"المطوّلَ" بالكأس والمنتحلين بالأرض, والاستفهام في ½وكيف إلخ¼ إنكاريّ في قوّة تعليل ثان أي: لا يطرد السائلون أي: المنتحلون عن علومنا التي هي كالأنهار, وقوله ½ولمثل هذا إلخ¼ اقتباس من الآية.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

471