تدبَّروا القرآن يا عباد الله! | الشيخ محمد عمران العَطَّاري


نشرت: يوم الجمعة،03-فبراير-2023

تدبَّروا القرآن يا عباد الله!

ورد عن التابعي الجليل سيدنا الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى أنه كان جالسًا يومًا، فعرضت له هذه الآية:

لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ كِتَٰبٗا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ١٠

فانتبه فقال: عليَّ بالمصحف، لألتمسَ ذكري اليوم حتى أعلمَ مع من أنا ومن أُشْبِهُ، فنشر المصحفَ فمرّ بقوم:

كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ ١٧ وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ ١٨ وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ ١٩

ومرّ بقوم:

تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ١٦

ومرّ بقوم:

وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُ ٱشۡمَأَزَّتۡ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِۖ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦٓ إِذَا هُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ٤٥

ومرّ بقوم يقال لهم:

مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ ٤٢ قَالُواْ لَمۡ نَكُ مِنَ ٱلۡمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمۡ نَكُ نُطۡعِمُ ٱلۡمِسۡكِينَ ٤٤ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلۡخَآئِضِينَ ٤٥ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤٦ حَتَّىٰٓ أَتَىٰنَا ٱلۡيَقِينُ ٤٧

قال: فوقف ثم قال: اللهم إني أَبْرَأُ إليك من هؤلاء، قال: فما زال يقلّب الورقَ ويلتمس حتى وقع على هذه الآية:

وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ١٠٢

فقال: اللهم هؤلاء

أحباب رسول الله! هل رأيتم كيف كان أسلافنا يتشبَّثون بكلام ربهم جل وعلا، وكيف كانوا يقرؤون القرآن الكريم، ويتأمَّلون في آياته، هكذا ينبغي لنا أن نسلك مسلكَهم، ونطهِّر عقولنا مثلهم، ونوجِّه أفكارنا نحو كلام ربنا تعالى، ويجب أن نواظب على تلاوة القرآن الكريم ونتأمّل فيه من حيث وصفه الأعمالَ الصالحة للمؤمنين، والأجر الذي يستحقّونه في الآخرة، فهل نحن نقوم بتلك الأعمال الصالحة؟، ونسعى في تحصيل ذلك الأجر العظيم؟ كما يجب أن نتفكر في أوصاف العُصاة الذين وصفهم القرآن الكريم، لننظر هل اجتنبنا عن هذه الأفعال أم لا؟ والحقيقة أن قراءة القرآن الكريم بهذه الطريقة يقتضي أن نفهم كلام ربنا أولاً، وفهم القرآن الكريم يحتاج إلى تفسيره.

يقول الإمام الصوفي سيدنا الشيخ أبو طالب المكّي رحمه الله تعالى: قد أُمرنا بطلب فهم القرآن كما أُمرنا بتلاوته

حق القرآن الكريم على المسلمين:

نعم! من حقّ القرآن الكريم على المسلمين أن يفهموه، ويتدبّروا آياته، فقد قال الله تعالى:

إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٢

عرفنا من هذه الآية الكريمة أنه يجب على المسلمين أن يفهموا القرآن الكريم، ويتدبَّروا آياته، ولا يتأتى ذلك إلا من إتقان اللغة العربية؛ لأن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، فمن لم يعرف العربية أو من لم يُتقن العربية فعليه أن يقرأ كتب التفاسير للعلماء المستَنِدِين لأهل الحقّ حتى يفهم القرآن الكريم فهمًا جيدًا

قال الله تعالى واصفًا مقاصد نزول القرآن الكريم:

كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٢٩

أيُّ تدبّر وتفكّر يصحّ في القرآن؟

إنّ التدبّر والتفكّر في القرآن عبادةٌ عظيمةٌ، ولكن اعلم أن التدبر الذي يُعتبر في القرآن يجب أن يكون في ضوء أقوال صاحب القرآن ﷺ، وأصحابه وأتباعه الذين ساروا على دربهم؛ لأن التدبر الذي يخالف أقوالَ مَن نزلَ عليه القرآنُ، وتدبرَ الذين شاهدوا نزول الوحي لا يقبل أبدًا، فلذا يجب تجنب أولئك المحققين الجدد في عصرنا الحديث الذين يخطِّؤون فهم أربعة عشر قرنًا من العلماء والفقهاء والمحدثين والمفسرين والأمة بأسرها، ثم يزعمون قولاً أو عملاً أن القرآن لم يفهمه إلا نحن، وأن الأمة السابقة ماتت كلها وهي جاهلة، وفي الحقيقة هم الضالُّون

أرجو منك أيها المحب لرسول الله ﷺ! أن تقرأ كلام ربك الطاهر، وأن تفهم حق القرآن عليك، كما يجب أن تفي بهذا الحق، وتقرأ فيه كتب التفاسير المعتبرة، مثل: جامع البيان لابن جرير الطبري، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وتفسير جلالين للمحلّي والسيوطي، وأنوار التنزيل للبيضاوي، ومدارك التنزيل لأبي البركات النسفي، والتحرير والتنوير لابن عاشور رحمهم الله تعالى.

وفّقنا الله لتلاوة كلامه المبارك، ولفهمه والعمل به طول حياتنا. آمين بجاه خاتم الأنبياء ﷺ.


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية