مدونات مختارة
الأكثر شهرة
أهمية أداء المسؤوليّة وخطورة إهمالها | الشيخ محمّد عمران العطاري
هذا المقال من مجلة نفحات المدينة: 17
يعتبر سيّدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أوّل مجدّد في الإسلام، وهو من الخلفاء الراشدين، بويع رحمه الله
على الخلافة في صفر سنة تسع وتسعين، فمكث فيها سنتين وخمسة أشهر، ملأ فيها الأرضَ عدلًا وردّ المظالمَ وسنّ السنن
الحسنة
(تاريخ الخلفاء: صـ 184-185).
هناك فرقٌ شاسعٌ بين مَن يسعى للحصول على الحكم والرئاسة، ومَن يُعطى له دون أنْ يطلب، كما يتّضح من قول رسول الله ﷺ حيث قال:
«لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ
أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا»
(صحيح البخاري: 4/311، (6722))
(أي: فما أُعِنْتَ عَلَيْهَا).
البكاء عند تفويض المسؤولية: روي عن الشيخ حماد أنّ سيّدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله لَمَّا استُخلف بكى فقال: يا أبا فلان! أتخشى عليّ؟
قال: كيف حبّك للدرهم؟
قال: لا أحبّه.
قال: لا تخفْ فإنّ الله سيعينك (تاريخ الخلفاء: صـ 185).
نلاحظ أن حال الخليفةِ عمر بن عبد العزيز رحمه الله بعد أنْ تولّى الخلافة دون طلب شعر بالهمّ والقلق مِن عواقب المسؤوليّة أكثر مِن الفرح بالمنصب، أما نحن فنركض وراء المناصب والوظائف، وعندما نحصل على ما نريد نشعر بفرحةٍ لا تُوصف كأنّنا نطير في السّماء، وإذا لم تُثمر محاولاتنا كما نتوقع، يصبح مزاجنا متعكرًا، وليس هذا فحسب بل ينشأ الحسد والعداوة في قلوبنا، ونبدأ في النميمة والغيبة، والتهم، والطعن في الأعراض (والعياذ بالله).
إضافة لذلك نقول: ما أجمل تلك النصيحة التي وجَّهها إليه صاحِبُه تسليةً له، حيث قال: "إذا لم يكن في قلبك رغبة في المال ستنال العافيةَ والسلامةَ بإذن الله تعالى"، وذلك لأنّ حبّ المال يجلب العديدَ مِن المصائب والمشاكل، كما أخبر خاتم النبيين ﷺ:
«مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» (سنن الترمذي: 4/166، (2383)).
فضل من يقوم من الحكّام بأداء المسؤولية ويعمل على تحقيق العدل
كان سيّدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله حاكمًا عادلًا يلتزم ويقوم بأداء مسؤوليته تجاه الأمّة المسلمة، والإمام العادل يكون يوم القيامة تحت ظلّ العرش كما ورد في الحديث الشريف:
«سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ.... (صحيح البخاري: 1/480، (1423)).
قال رسول الله ﷺ:
«يَوْمٌ مِنْ إِمَامٍ عَدْلٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً» (المعجم الأوسط: 3/334، (4765)).
وقال النبي ﷺ:
«إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ» (صحيح مسلم: صـ 783، (4721)).
خطورة الحُكّام والأمراء لا يقومون بأداء مسؤولياتهم
خطورة وعاقبة الحُكّام والأمراء الذين لا يقومون بأداء مسؤولياتهم تجاه رعاياهم والأمة المسلمة:
قال رسول الله ﷺ:
(1) «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (صحيح مسلم: صـ 78، (363)).
(2) «مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ، وَيَنْصَحُ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ» (صحيح مسلم: صـ 78، (366)).
(3) «أَيُّمَا وَالٍ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَنْصَحْ لَهُمْ وَلَمْ يَجْهَدْ لَهُمْ لِنُصْحِهِ وَجَهْدِهِ لِنَفْسِهِ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ» (المعجم الصغير: 1/167).
(4) «مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أُتِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَتَّى يُوقَفَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا تَجَاوَزَ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْخَرَقَ بِهِ الْجِسْرُ فَهَوَى فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» (المعجم الكبير: 2/39، (1219)).
(5) «مَنْ وَلِيَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ الْمِسْكِينِ وَالْمَظْلُومِ أَوْ ذِي الْحَاجَةِ أَغْلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُونَهُ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ وَفَقْرِهِ أَفْقَرُ مَا يَكُونُ إِلَيْهَا» (مسند أحمد بن حنبل: 5/315، (15651)).
(6) «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَرَفَقَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللَّهِ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا بَهْلَةُ اللَّهِ؟
قَالَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ» (مستخرج أبي عوانة: 4/380، (7023)).
أيها المحبون لرسول الله! لقد انضممتُ إلى مركز الدعوة الإسلامية في عام 1991، وقرأتُ سيرة سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى لأول مرة عام 1994 أو 1995م. ومنذ ذلك الحين دخلت محبته واحترامه إلى قلبي والحمد لله على ذلك؛ وذلك لأن كان ذا شخصيته فذة ومتميزة. ومن أراد أن يتعرف على شخص جامع للسيرة النبوية، ولسيرة الخلفاء الراشدين، والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فعليه أن ينظر إلى حياة سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، فحياته حافلة بالعلم والفضل، والزهد، والتقوى، والورع، ومحبة أهل العلم، ومصاحبتهم، ومشاورتهم...، وباختصار: إنَّ المملكةَ التي تقوم على أساسِ التقوى والخوفِ من اللهِ، والالتزامِ بالشريعةِ، تكون سبباً لترسيخ الأمنَ والاقتصادَ ضمن فترةٍ قصيرةٍ، وهما عنصران أساسيان لأيِّ دولةٍ أو سلطةٍ.
ولذلك هنا أوجّه رسالتي هذه إلى أحباب الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل عام، وإلى ولاة الأمة، والمسؤولين، وطائفة الحكام بشكل خاص، فأقول لهم: اتقوا الله في مسؤولياتكم، وكونوا دائمًا متذكّرين لآخرتكم وموتكم، وقبوركم، وأهوال يوم القيامة، ولا تنسوا مطالعة سيرة سيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بنية الاقتداء به، ولسوف تجدون التغيير الإيجابي في حياتكم بمشيئة الله تعالى، وستجدون أنفسكم مستعدين للقيام بمسؤولياتكم على أكمل وجه إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأداء واجباتنا على أكمل وجه، آمين بجاه خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم.
تعليقات