بعض الدروس والعبر من هجرة خير البشر ﷺ | محمد عرفان غجراتي


نشرت: يوم الأَربعاء،30-نوفمبر-2022

بعض الدروس والعبر من هجرة خير البشر ﷺ

الطالب: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.

الطالب: سيدي أودُّ أن أسألك سؤالاً..

الشيخ: تفضل يا بنيَّ! مرحبًا بطالب العلم.

الطالب: سيدي! ما هي أهمية الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة؟

الشيخ: سؤالك جميل يا بنيَّ! وسأخبرك بما يوفّيه إن شاء الله..

تعتبر الهجرة النبوية يا بنيَّ! من أعظم الأحداث الهامّة في التاريخ البشري كله إذْ منها قد انطلقت الدولة الإسلامية وانتشر الإسلام، بعد أن كان محصورًا بين شعاب مكة المكرمة، فهي ذكرى عطرة، ومخلّدة لصدق العزيمة والصبر والإخلاص والتضحية، تدل على الرعاية الربّانية والعناية الإلهيّة، وتجمع في ثناياها المواقف العظيمة من القيم النبويّة السّامية، وهي جزء من سيرته الطيبة وقد كانت انطلاقةً لبناء الدولة وتأسيس المجتمع الجديد وإعلانًا لنهاية عهد الاستبداد وبداية فجر مشرق للعالم كله.

الطالب: شيخي! هل ورد ذكر سببها في القرآن الكريم؟ وما هو؟

الشيخ: نعم، ورد سبب وقوع الهجرة في قول الله جل وعلا:

﴿وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ ٣٠﴾

حيث بيّن اللَّه سبحانه وتعالى من خلال هذه الآية السابقة لنبيّه مكرَ القوم القريش وتآمرَهم عليه ﷺ واتّفاقهم على اغتياله ﷺ بعد اجتماعهم في دار الندوة، وأمر الله له ﷺ ألاَّ يبيتَ في مَضْجَعِه، وأذن له ﷺ الهجرةَ بهذا السبب. وقال بعض المفسّرين: هذه الآية مدنيّة؛ لأنه نزلت في المدينة

يا بنيّ! إن الهجرة النبوية الشريفة لم تكن تحرّكا عشوائيّا ولم تكن مجرد هروب، وإنما كانت أحد الوسائل التي اتخذها سيدنا الحبيب المصطفى ﷺ ضمن خطة استراتيجية بعيدة المدى وكان لها عدة أسباب، أُبرِزها بشكل موجز:

1) اشتداد إيذاء قريش على سيدنا الحبيب المصطفى ﷺ والمؤمنين وازدياد المؤامرات عليهم.

2) محاولة اغتيال سيدنا الحبيب المصطفى ﷺ كما ذكرنا آنفا.

3) إقامة الدولة الإسلامية وبدء عهد جديد.

4) نشر الدعوة الإسلامية خارج مكة المكرمة.

الطالب: هل ورد وصف رحلتها في القرآن الكريم؟

الشيخ: نعم، لقد ورد وصف هذه الرحلة في القرآن الكريم كما قال الله تعالى:

﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٤٠﴾

فقد بيّن الله تعالى من خلال الآية السابقة عونه للحبيب المصطفى ﷺ بجنود لم يرها أحد من البشر وهم الملائكة وإنزاله السكينة والطمأنينة على قلبه ﷺ أثناء رحلة الهجرة وأثناء بحث قريش عنه، وإنّ في عدم إيجادهم له إعلاء لكلمة الحق وكلمة الإسلام فأنجاه الله تعالى من عدوّه وأذلّ أعداءه.

وأما هجرة المسلمين فقد ورد ذكر المهاجرين في عدد من الآيات القرآنية مع ذكر فضل الهجرة في سبيل الله تعالى ومن ذلك ما قال الله تعالى:

﴿وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ١٠٠﴾

الطالب: هل كانت الهجرة في شهر الله المحرم؟

الشيخ: لا، بل كانت الهجرة في شهر ربيع الأول.

الطالب: إذن فلماذا تبدأ السنة الهجرية بشهر الله المحرم على الرغم من أن هجرة سيدنا رسول الله ﷺ لم تكن فيه؟

الشيخ: نعم! على هذا قد اتفق الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعد المشاورة على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سَنَة الهجرة، والسنة القمرية أولها من المحرم، وذلك؛ لأنه أول شهور العرب شهر الله المحرم، فجعلوا السَّنَة الأولى سَنَة الهجرة، وأولها المحرم، وقد جاء في الآثار أن سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين أشاروا بذلك، وكان هذا بعد أن استشار الخليفة سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه الصحابيَّيْن الجليلَيْن سيدنا عثمان بن عفان ، وسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما في هذا الرأي وأقراه، تمّ الاتفاق على اعتبار السَّنَة التي هاجر فيها الحبيب المصطفى ﷺ هي بداية التقويم، واختير الأول من "محرّم" كبداية للسَّنَة، و"ذو الحجة" نهاية لها، ومن هنا انطلقت السَّنَة الهجرية من هجرة الحبيب المصطفى ﷺ والتي صادفت عام 622 الميلادي، لتصبح السنة الأولى في التاريخ الهجري.

يقول الحافظ المحدث ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في "فتح الباري شرح صحيح البخاري": وإنما أخَّرُوه -أي التأريخ بالهجرة- من ربيع الأول إلى المحرم؛ لأنَّ ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة فكان أوّل هلال استهلَّ بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ

الطالب: طيب سيدي ما هي الدروس والعبر التي يمكن أن نأخذها من الهجرة النبوية الشريفة؟

الشيخ: إن دروس الهجرة النبوية الشريفة لا تنتهي ولا ينقطع مداها فمن هذه الدروس والعبر:

* النية الصالحة فإن الحبيب المصطفى ﷺ وأصحابه كانت هجرتهم من مكة إلى المدينة ابتغاء مرضاة الله.

* التخطيط الاستراتيجيّ والأخذ بالأسباب حيث اشترى سيدنا النبي ﷺ راحلته للهجرة قبل ستة أشهر من السفر، واختار رفيقًا مخلصًا هو سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه في هذه الرحلة الشاقّة الخطرة، واستأجر رجلاً معروفاً بخبرته وكفاءته هو "عبد الله بن أريقط" ليكون دليلاً، فهو عارف بالطرق والشعاب، وقد سار في الطريق الجانبيّ غير المألوف طريق اليمن؛ كيلا يستطيعوا الوصول إليه إلا بعد عناء ومشقّة، وعيّن "عامر بن فهيرة" غلام أبي بكر رضي الله تعالى عنه ليرعى الغنم بجوار الغار فيمحو آثار سيدنا النبي ﷺ وصاحبه وكل من يأتي إليهما، وانتخب "عبد الله بن أبي بكر" وهو غلام شابّ حاذق ليُصبح وكأنَّه بات في قريش فيسمع أخبارهم ويعلم مكائدهم نهارًا، فيأتي سيدنا النبي ﷺ بما علمه في الليل، ليُحبط مخططاتهم ويدمّر مكائدهم، واتَّخذ من يأتيه بالطعام والشراب فكانت السيدة أسماء ذات النطاقين رضي الله تعالى عنها تتحمّل السير في الصحراء والجبال من أجل مساعدة سيدنا النبي ﷺ ووالدها، ومكث في غار ثور ثلاثة أيام حتى يهدأ الطلب وتيأس قريش من العثور عليهما.

* ونأخذ أيضاً درساً في التضحية فإن الحبيب المصطفى ﷺ وأصحابه قد اضطروا إلى مغادرة بلدهم الذي وُلِدوا وترعرعوا فيه، وتركوا أقرباءهم وعشيرتهم، وقد قال ﷺ وهو يغادرها حزينًا:

واللهِ! إنَّكِ لَخير أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنّي أُخرجت منكِ ما خرجتُ

وهناك من الصحابة من ضحى بماله وأولاده ونفسه فداءً لسيدنا النبي ﷺ مثل: سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه الذي نام على فراش النبي ﷺ ليلة الهجرة وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

* شدّة التوكّل على الله وعدم اليأس: يقول الله تعالى:

﴿إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ﴾

قال سيدنا ابن عباس رضي الله تعالى عنه: لَرادُّك إلى مكة كما أخرجك منها

مَنِ الذي منع المشركين من أن يَعْثروا على سيدنا النبِيِّ ﷺ وصاحبه، وقد وقَفوا على شفير الغار، حتَّى قال سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه:

لو أنَّ أحدهم نظر تَحت قدمَيْه لَأَبْصَرَنا فكان جواب سيدنا النبي ﷺ: ما ظَنُّك يا أبا بكر -رضي الله تعالى عنه-! باثْنَيْنِ اللهُ ثالثُهما؟

يا بنيّ! ملخّص هذا الكلام هنا: "أن نجاح الدعوة يحتاج إلى تضحية بالغالي والنفيس وأن المسلم لا يعرف اليأس".


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية