مواقف من حياة الفاروق رضي الله تعالى عنه | الشيخ علاء زيات


نشرت: يوم السبت،23-أبريل-2022

مواقف من حياة الفاروق رضي الله تعالى عنه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:

فقد كان لنا في مقالنا السابق لفت للنظر على شخصية الخليفة الثاني سيّدنا عمر رضي الله تعالى عنه، واليوم نتعرف على جوانب أخرى في شخصيته وبعضًا من مواقفه:

موافقات عمر رضي الله تعالى عنه:

يقول الله تبارك وتعالى:

﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ ٢٨٢﴾

، لا شك أن من أشرف العلوم، ما يهبه الله تعالى لأولياءه وهو ما يسميه العلماء بـ (العلم اللدني)، ومن بين أهل هذه النعمة الخليفة الثاني سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه إذ كان له آراء وأحكام جاءت آيات من كتاب الله تعالى تثبتها، بيّن ذلك الخليفة الرابع سيدنا عليّ رضي الله تعالى عنه فيما قال: "إن في القرآن لرأيًا من رأي عمر رضي الله تعالى عنه".

بل وصرح سيدنا الفاروق رضي الله تعالى عنه بذلك في أحاديث كثيرة: منها ما أخرجه الشيخان عن الخليفة الثاني سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه قال:

وافقت ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله ﷺ! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:

﴿وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّىۖ﴾

وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله ﷺ! لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنّه يكلّمهنّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي ﷺ في الغيرة عليه، فقلت لهن:

﴿عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡراً مِّنكُنَّ﴾

فنزلت هذه الآية.

هذا وقد توالت بعد ذلك أحداث، ومواقف كثيرة يصعب استقراؤها في مقالنا هذا، حتى ننتقل إلى محورنا الثاني:

صورة من كرامات سيّدنا الفاروق رضي الله تعالى عنه:

إن أهل الإيمان في سيرهم إلى الله تعالى يفتح عليهم من أنواره وتجلياته ما يكاشفون به عن مغيبات الحسّ الظاهري، وذلك مصداقًا للحديث القدسي:

((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنّه)).

ومن هنا نجد أن سيّدنا الخليفة الثاني الفاروق رضي الله تعالى عنه كان له نصيب كباقي الصحابة رضي الله تعالى عنهم من المكاشفات الإلهية فقد روي عن سيّدنا ابن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: " إنّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وجّه جيشًا، ورأس عليهم رجلًا يدعى "سارية"، فبينما عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يخطب جعل ينادي: يا سارية! الجبل، يا سارية! الجبلَ، ثلاثًا، ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر رضي الله تعالى عنه، فقال: يا أمير المؤمنين! هُزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتًا ينادي: يا سارية! الجبلَ، ثلاثًا، فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله تعالى، قال: فقيل لعمر رضي الله تعالى عنه: إنك تصيح بذلك.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى في الإصابة: إسناده حسن. (الإصابة: 3/5) وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم".

فهذه واحدة من المكاشفات التي نقلت لنا عن صحابة رسول الله ﷺ تؤكد لنا معيَّة الله تعالى التي سبق ذكرها في الحديث القدسي لأولياءه في حياتهم وسيرهم إلى الله...

مشاهد من زهده وورعه:

يعتبر اجتماع النقيضين أمرًا محالاًَ في أحكام العقل المجرد، وهو شأن المؤمن بالله السالك طريق النجاة، إذ لا يمكن أن يجتمع حب الدنيا والآخرة معًا في قلبه، وأكد ذلك القرآن الكريم بذكر أقوال أهل الإيمان لأقوامهم كقول مؤمن آل فرعون، فقال تعالى:

﴿يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٌ وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ٣٩﴾

وقد أشار إلى ذلك الحبيب ﷺ في الحديث حين قال:

((الدنيا سجن المؤمن، وجنّة الكافر)).

وهذا ما فهمه وعاشه أمير المؤمنين سيّدنا عمر رضي الله تعالى عنه، فقد لبس ثوب الزهد قلبًا وقالبًا، روي عن سيّدنا الأحنف بن قيس رضي الله تعالى عنه قال: (كنا جلوسًا بباب عمر، فمرت جارية، فقالوا: سرية أمير المؤمنين، قال: ما هي لأمير المؤمنين بسرية، ولا تحل له، إنها من مال الله، فقلنا: فماذا يحل له من مال الله تعالى؟ قال: إنه لا يحل لعمر رضي الله تعالى عنه من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء، وحلة للصيف، وما أحج به وأعتمر، وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعد رجل من المسلمين).

ووصل به المطاف أن زهد في طيبات الطعام، قال ابن مليكة رحمه الله تعالى: (كلم عتبة بن فرقد رضي الله تعالى عنه عمر رضي الله تعالى عنه في طعامه، فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا، وأستمتع بها؟).

وأمّا خوفه، وتدبّره لكتاب الله فيروي لنا سيّدنا الحسن البصري رحمه الله تعالى فيقول: (كان عمر رضي الله تعالى عنه يمرّ بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أيّامًا).

هذا ولم يكن راضيًا عن نفسه، بل كان يتهمها، ويناشد الناس أن يبينوا له عيوبه،

قال سيّدنا سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: قال سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:

(أحبّ الناس إليّ من رفع إليّ عيوبي).

وفاته:

لما كبر سيّدنا الفاروق أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه ورأى توسع الدولة الإسلامية بدأ يسأل الله تعالى أن يعجِّل له بحسن الخاتمة، روي عن سيّدنا سعيد بن المسيب رحمه الله أنه قال: "لما صدر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن منى في آخر حجة أناخ بالبطحاء، ثم استلقى ومد يديه إلى السماء، فقال: اللهم كبر سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرّط، (وفيه) فما انسلخت ذو الحجّة حتى قتل".

وليس هذا وحسب، بل كان يدعو دعاء عجب له الصحابة رضي الله عنهم، كان يقول:

((اللهم ارزقني شهادةً في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك ﷺ))

إذ كيف لعبد أن ينال الشهادة في مدينة الحبيب ﷺ خاصة بعد أن عمّ نور الإسلام أرض العرب، وغيرها، لكن الله تعالى استجاب دعاءه فنالها بصدق نيّته بعد أن غدر به أبو لؤلؤة المجوسي، فنال ما تمنّى فرضي الله تعالى عن الفاروق، وعن صحابة رسول الله أجمعين، وجمعنا معهم في مستقر النعيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين..


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مركز_فيضان_المدينة
#مؤسسة_مركز_الدعوة_الإسلامية

تعليقات



رمز الحماية