أخلاقيات استخدام مواقع التواصل ودورها في حياتنا | الشيخ عبد الباسط المحمد


نشرت: يوم الخميس،16-أكتوبر-2025

أخلاقيات استخدام مواقع التواصل ودورها في حياتنا

هذا المقال من مجلة نفحات المدينة: 18

المسلم يحيا في عصر أكثر ما يوصف به أنه عصر السرعة، سرعة تبادل المعلومات والأخبار، وسرعة التواصل بين الأشخاص عن طريق مواقع التواصل [الإنترنت]، وقد حدث في العالم ما يمكن أن نطلق عليه "الانفجار المعرفي"، الذي أحدث متغيرات عدة على حياة المسلم، وحركة المجتمع، ونمط الحياة والتواصل -في أصله- ممَّا حثَّ عليه الإسلام، وجعله مقصدًا من مقاصد خلق الله تعالى للعباد، حيث قال:

يٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ  (الحجرات: ١٣)

ومع عظيم الفائدة التي تعود على الفرد والمجتمع من استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائلها، إلا أنه يعظم الخطر بمعرفة السلبيات والأخطار الناتجة عن سوء الاستخدام، ذلك أنها تفتح باباً للشبهات والشهوات، ممَّا يؤدي إلى شيوع قيم لا تتوافق مع الشرع، وتصطدم مع الخلفيات الدينية والثقافية للمسلم. لذلك كانت الحاجة ماسة إلى ضبط هذا التعامل بالمقاييس والموازين الشرعية التي تضبط حياة المسلم وتعاملاته وتواصله مع الآخرين، ووضع معايير القيم الأخلاقية للتعامل مع مواقع التواصل.

ما هي مواقع التواصل الإلكتروني؟

هي عملية التفاعل اللازمة لتبادل الخبرات والأفكار والمعلومات والاتجاهات عبر شبكة الانترنت، من خلال المواقع، مثل: مواقع الفيسبوك، والتويتر، واليوتيوب، والبريد الإلكتروني، والتصفح عبر الشبكة، والقوائم البريدية، والمحادثة ممَّا يعطي مجالاً للأفراد للتعبير عن آرائهم واتجاهاتهم، بكل حرية وديمقراطية، بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية والسياسية.

أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا:

تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في حياتنا اليومية، حيث تسهم في تسهيل التواصل والتفاعل بين الأفراد من مختلف أنحاء العالم، كما تُعدُّ هذه المواقع منصات لمشاركة الأفكار والمعلومات، مما يعزز الوعي الاجتماعي والثقافي، إضافة إلى أنها تتيح للأفراد بناء علاقات اجتماعية وتجارية وتسويقية ومهنية جديدة، إلا أنَّها في الوقت نفسه قد تؤثر على الخصوصية وتزيد من خطر انتشار الأخبار الكاذبة.

أخلاقيات التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي:

الإسلام لا يرفض التقدم العلمي بشرط أن يتماشى مع القيم الشرعية ويكون استخدامه في إطار ما يحقق مصلحة الأمة.

والمسلم يعيش في عصر السرعة الذي يتميز بتبادل سريع للمعلومات والتواصل عبر الإنترنت، وقد أحدثت هذه التكنولوجيا تغييرات كبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات، وعلى الرغم من فوائدها العديدة، فإن سوء استخدامها يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية، مثل انتشار القيم التي تتعارض مع تعاليم الإسلام. لذا، أصبح من الضروري أن يتم استخدام هذه الوسائل وفقًا لضوابط شرعية.

الأخلاق المطلوبة في استخدام مواقع التواصل:

1. تصحيح النية:

يجب أن تكون نية المرء في استخدام مواقع التواصل لطلب مرضاة الله مثل: الدعوة والنصح ومعرفة أخبار المسلمين، وما شابه ذلك.

2. استشعار مراقبة الله تعالى:

فمن يتعامل مع هذه المواقع فهو أحوج ما يكون إلى تأصيل خلق المراقبة ويدرك أن الله تعالى يطلع على كل تصرفاته على الإنترنت لعدة أسباب منها:

• لا يطلع على محادثاته وأقواله إلا الله تعالى.

• مجال ارتكاب المحرمات فيها مفتوح دون ضابط أو رقيب سوى الوازع الديني.

• سهلة التعامل والاستخدام ولا تحتاج إلى انعزال عن الناس ورحم الله من قال:

               إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل         خلوت ولكن قل عليّ رقيب (ديوان أبو العتاهية: 34)

ويكون تأصيل المراقبة بمراعاة أمور من أهمها:

• عدم التطفل على صفحات غير معروفة

• عدم تتبع مواقع تعرض محتوى غير لائق

• عدم فتح مواقع الإنترنت -بقدر الإمكان- في أوقات الخلوة

• حذف الأصدقاء الذين يقومون بتسهيل الدخول إلى هذه المواقع وعدم التعامل معهم.

3. الحرص على الوقت:

تعد مواقع التواصل من أكثر عوامل إضاعة الوقت في العصر الحديث لذا يجب تنظيم الوقت وعدم إضاعة الوقت فيما لا فائدة منه.

4. غض البصر عما لا يحل:

من المهم تجنب الصور والمحتويات المحرمة المنتشرة على الإنترنت.

5. حفظ الجوارح:

(الأذنِ، والعينِ، واللسانِ، واليدينِ، والقدمينِ، والبطنِ، والفرجِ)، واستعمالها فيما يرضي الله تعالى:

إِنَّ اُلسَّمْعَ وَاُلْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلََيِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء: ٣٦)

يُقال للإنسان: لم سمعت ما لم يحل لك سماعه، ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه، ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟ فلابد لمن يرتاد مواقع التواصل أن يحفظ جوارحه لئلا تقع على محرّم.

6. التثبت في نقل الأخبار:

أمر الإسلام بالتبين والتثبت قبل نشر الأخبار

 يَأَيُهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاٍ فَتَبَيَنواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بجَهَالة فَنُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَدِمِينَ (الحجرات: ٦)

وحذر النبي ﷺ من ترديد الأخبار دون التبين من حقيقتها فقال "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع". (صحيح مسلم: 5)

قال النووي: "فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان، فإنه يسمع في العادة الصدق والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم یکن (المنهاج شرح صحيح مسلم للنووي: 1/ 75)

فمن أعظم المصائب التي يقع فيها رواد مواقع التواصل نشر الأخبار دون التأكد من حقيقتها.

7. حسن اختيار الأصدقاء:

حيث يُعرف المرء بإخوانه وخلانه وهذا مصداق (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) (مسند أحمد: 8028)

فالإنسان ينبغي أن يختار أصدقاءه بعناية وعدم قبول الأسماء المجهولة والخروج من المجموعات التي ينشر أصحابها منشورات منافية للقيم والأخلاق.

8. مراعاة أدب الحوار:

ندب الإسلام لمن يقوم بالدعوة إلى الله تعالى أن يتحلّى بآداب وأخلاق الأنبياء لأنه يقوم بمهمتهم، قال تعالى:

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وَجادلهم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ (النحل: ١٢٥)

وقد طبق السلف من علمائنا رضوان الله عليهم أدب الحوار الإسلامي خير تطبيق كقول الشافعي: ما ناظرت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحدا إلا ولم أبال بَيِّن الله الحق على لساني أو لسانه. (حلية الأولياء لأبي نعيم: 9/ 118)

ومع كثرة الحوارات في مواقع التواصل على المسلم أن يتسم بآداب الحوار في الإسلام التي تتعلق بالفضاء الإلكتروني.

9. حفظ الأسرار والخصوصيات:

إن من حق المسلم على المسلم حفظ الأمانة، بكل صورها وأشكالها:

يَا أَيُّهَا اُلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَّخُونُوأْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَماناتكم وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (الأنفال:٢٧)

وعن أنس بن مالك قال: ما خطبنا نبي الله إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له (مسند أحمد: 12383)

وفضاء مواقع التواصل يعج بالأحاديث الخاصة، سواء كانت صادقة أم كاذبة، وكثير من مرتادي هذه المواقع لا يتحرَّج من الحديث عن هذه الخصوصيات، وينشر الأسرار والأمانات التي احتفظ بها، لهذا كان لا بد من ضوابط وآداب تعين على التعامل مع هذه المواقع من أهمها:

• عدم نشر الأحاديث الخاصة على الصفحات العامة.

• اعتبار المراسلات الخاصة مع الأصدقاء من الأمانات التي يحتفظ بها الإنسان.

• الحذر من البرامج مجهولة المصدر التي تخترق الخصوصيات.

• عدم التجسس على صفحات الآخرين.

• استئذان الشخص قبل نشر شيء يتعلق به.

10. مراعاة ضوابط التواصل عمومًا:

من أهم مقاصد الشريعة مراعاة ضوابط الفصل بين الرجال والنساء في الحياة العامة تجنبًا لخطوات الشيطان ونزغه، ولما يترتب على ذلك من الفتن والمخاطر؛ قال تعالى:

يَأَيُّها الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تتبعوا خطوات الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبع خطوات الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِّ (النور: ٢١)

وحذَّر النبي ﷺ لم من التعرض للفتن، وبيَّنَ أنَّ أشدَّ الفتن التي يتعرَّض لها المسلم هي ما تتعلق بالنساء (ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء). (صحيح البخاري: 5096)

ويشتد خطر فتنة النساء في مواقع التواصل، التي يرتادها الجميع دون رقابة أو متابعة، وتكون الفرصة للوقوع في هذا الخطر العظيم، فكان لا بد من مراعاة الضوابط الشرعية لدى كل من يتعامل مع هذه المواقع. مراعاة أوقات العبادات: من الأخلاق الواجبة مراعاة أوقات العبادات لأدائها دون تأخير. الصدق في الحديث: صدق الحديث دليل الإيمان، وصفة المتقين، والكذب علامة على النفاق، وقد أجمعت الأمم عبر العصور على فضيلة الصدق، وأكَّد الإسلام على هذا الخلق الرفيع قال تعالى:

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ (التوبة: ١١٩)

إذن:

أصبحت مواقع التواصل الإلكتروني جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، وتنوعت أشكاله وصوره وازداد عدد المستخدمين حتى أصبح استخدام هذه المواقع أمرًا شائعًا في معظم البيوت. ورغم ما يتضمنه هذا التواصل من فوائد وإيجابيات، إلا أنه يحتوي أيضًا على بعض السلبيات نتيجة الاستخدام غير الصحيح.

لذلك:

قبل أن يدخل المسلم إلى فضاء مواقع التواصل، يجب عليه أن يتسلَّح بأخلاق الإسلام ويتبع آدابه، خاصة فيما يتعلق بالتفاعل مع الآخرين، بحيث يستفيد من هذه المواقع بطريقة تتوافق مع الشريعة. وأن يكون حذرًا من الأخلاق السلبية التي قد تنتشر بين مستخدمي مواقع التواصل، وأن يتجنب التورط في أي سلوك قد يسيء إليه، مع الحرص على تطهير نفسه من هذه الصفات. إضافة إلى ذلك يجب أن يعرف المسلم الأحكام الفقهية المتعلقة بالتواصل الإلكتروني ويتقيد بها أثناء استخدامه لهذه المواقع.

تعليقات



رمز الحماية