عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

لا جَرَم أنّا آنَسْناهُ بالتِزامِ الشّرْطِ [1], وأثْنَينا على خُلُقِهِ السّبْطِ, ولمّا أحْضَرَ الغُلامُ ما راجَ [2], وأذْكى بينَنا السّراجَ, تأمّلتُهُ فإذا هوَ أبو زيْدٍ فقُلتُ لصَحْبي: ليَهْنَكُمُ الضّيفُ الوارِدُ, بلِ المَغْنَمُ البارِدُ, فإنْ يكُنْ أفَلَ قمَرُ الشِّعْرَى [3] فقدْ طلَعَ قمَرُ الشِّعْرِ, أوِ استَسَرّ بدْرُ النّثْرَةِ فقدْ


 



[1] قوله: [لا جَرَم أنّا آنَسْناهُ بالتِزامِ الشّرْطِ...إلخ] ½لا جرم¼ قال الفراء: هي كلمة كانت في الأصل بمنزلة ½لا بُدّ¼ و½لا محالة¼, فجرت على ذلك وكثرت حتّى تحوّلت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقا, فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب بها عن القسم, ألا تراهم يقولون: ½لا جرم لآتينّك¼, و½آنسناه¼ أي: جعلناه أنيساً, و½التزام الشرط¼ هو الوفاء به, وهو قوله: ½لا تلمظتُ بقراكم¼, و½أثنَينا¼ مدحنا بالثناء, و½الخلق السبط¼ هو الحسن الواسع السهل. (مغاني, المطرّزي)

[2] قوله: [ولمّا أحْضَرَ الغُلامُ ما راجَ...إلخ] ½راجَ الشيء¼ يروج رواجاً إذا اتفق وتيسّر بسرعة, و½أذكى السراج¼ أي: أوقده, و½تأملتُه¼ نظرته, و½ليهنكم¼ أي: ليسرّكم, أصله مهموز اللام من هنأ يهنأ, وإنما أبدلوا الهمزة بالألف تخفيفاً وحذف الألف لوقوعه في محل الجزم بلام الأمر, و½الوارد¼ القاصد, ½المغنم¼ الغنيمة, و½المغنم البارد¼ هو الذي لا تعب فيه ولا مشقّة, ومنه الحديث: ((الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء)), و½الغنيمة الباردة¼ هي التي يحوزها غانمها من غير حر السلاح ويأخذها سالماً غير مكلوم مطمئنا مستريحا, و½البرد¼ يكون معناه: الطمانينة والراحة, يقال: اللهم ارزقنا برد عفوك وبرد اليقين, وقيل: ½الغنيمة الباردة¼ هي المستقرّة الثابتة الحاصلة. يعني: لما أحضر الغلام ما تيسّر من الطعام وأوقد المصباح بيننا امعنتُ النظر إلى الضيف فتحقّق لنا أنه أبو زيد, فقلتُ لأصحابي: يسرّكم الضيف النازل بل الغنيمة السهلة لكم. (مغاني, الشريشي بزيادة)

[3] قوله: [أفَلَ قمَرُ الشِّعْرَى...إلخ] ½أفل¼ أي: غرب وغاب, قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ[الأنعام:٧٦], و½الشِّعرى¼ الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء, قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّهُۥ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعۡرَىٰ[النجم:٤٩] وهما الشِّعريان: الشِّعرى العَبور الذي في الجوزاء, والشِّعرى الغُمَيصاء الذي في الذراع, سمَّوها عَبوراً؛ لأنهم يزعمون أنها عبرت المجرّة, وسمَّوا الأخرى الغُمَيصاء؛ لأنها بكت على أختها حتّى غمصت عينها, أي: خفيت, و½استَسَرّ¼ غاب وخفي, و½النثرة¼ كوكبان بينهما قدر شبر وبينهما لطخ بياض كأنه قطعة سحاب وهي أنف برج الأسد من منازل القمر, و½تبلّج¼ ظهر وأضاء, و½النثر¼ من الكلام ما لم يكن شعراً, يقول: إن غاب قمر السماء الذي يتحدّث بضوئه فهذا أبو زيد قمر الفصاحة قد طلع, فجدّدوا حديثكم ودعوا النوم. (مغاني, الشريشي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132