عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

المقامة الثالثة: وتُعرَف بالدِّيْنارِية [1]

رَوى الحارثُ بنُ هَمّامٍ, قال: نظَمَني وأخْداناً لي نادٍ [2], لمْ يخِبْ فيه مُنادٍ, ولا كَبا قدْحُ زِنادٍ, ولا ذكَتْ نارُ عِنادٍ, فبيْنَا نحنُ نتجاذَبُ أطْرافَ الأناشيدِ [3], ونَتوارَدُ طُرَفَ الأسانيدِ, إذْ وقَفَ بِنا شخْصٌ علَيْهِ سَمَلٌ [4], وفي مِشيَتِهِ قزَلٌ,


 



[1] قوله: [الدِّيْنارِية] نسب هذه المقامة إلى الدينار؛ لأنه مدحَ فيها الدينارَ فأبدعَ, ثُمّ ذمّه فأغربَ, وهذه المقامة تبتني على صنعةٍ مِن صنائع المحسّنات المعنوية مِن علم البديع, وهي المغايرة, و½المغايرة¼ مدح الشيء بعد ذمّه أو عكسُه. وتسمّى أيضاً ½القيلية¼ لتضمن مدح الدينار وذمّه. (المصباحي, المطرّزي)

[2] قوله: [نظَمَني وأخْداناً لي نادٍ...إلخ] ½نظمني¼ أي: جمعني, و½أخداناً¼ أي: أصحاباً, و½أخدان¼ جمع خِدن وهو الصاحب والصديق, وفي التنزيل: ﴿وَلَا مُتَّخِذِيٓ أَخۡدَانٖۗ[المائدة:٥], و½ناد¼ مجلس القوم ومتحدّثهم, و½لم يخِب¼ أي: لَم يَحرُم, ½مناد¼ متكلّم, و½كبا¼ شحّ ولَم يُبد ناراً, و½قدَح بالزَّنْد¼ ضرَبه بحجره ليُخرج النارَ منه, و½زناد¼ حديدة النار, معناه: لم يخب فيه آمِلٌ, و½ذكت¼ اشتعلت, و½العناد¼ المعاندة وهي المخالفة, يقول: جمعني وأصدقائي مجلسٌ لم يحرم فيه متكلّم ولا آمِلٌ أي: نال السائل مطلوبَه, وبلغ الراجي مرادَه, وإنّ هؤلاء الأصحاب لحُسن أدبهم ومناظرتهم ليس بينهم المخالفة, وهم علماء لا يسقط مِن كلامهم شيء, وليس فيهم جاهلٌ فيكون كلامه قليل الإصابة. (مغاني, الشريشي بزيادة)

[3] قوله: [نتجاذَبُ أطْرافَ الأناشيدِ...إلخ] كلمة ½بينا¼ تستعمل بمعنى الحال والوقت, واعلم! أنه إذا قصد إضافة ½بين¼ إلى أوقات مضافة إلى جملة حذفت الأوقات وعوض عنها ½الألف¼, فيقال: بينا أو ½ما¼ فيقال: بينما, فالتقدير: بين أوقات تجاذبنا أطراف الأناشيد, و½نتجاذب¼ أي: نتنازع, و½الأناشيد¼ ما يتناشدونه مِن الأشعار بينهم, و½تجاذب أطرافها¼ يريد المشاركة في إنشادها, أي: إذا أنشد أحدُهم شعراً ليُغرب به شارَكوه في إنشاده لحفظهم الأشعار, كأنهم تجاذبوه كما يُتجاذب بأطراف الثوب, و½نتوارد¼ أي: يورد بعضنا على بعض, و½الطُرَف¼ الغرائب, و½الطُّرفة¼ الشيء العجيب من كلّ شيء الذي لا يوجد له نظير, و½الأسانيد¼ جمع إسناد, وأصله الإضافة, فالإسناد إضافة الحديث إلى قائله, وأصل ½التوارد¼ مزاحمة الإبل على شرب الماء, فجعل مشاركتهم في ضبط غرائب الأخبار كتوارد الإبل على الماء, والمقصود: أنهم تارةً يتناشدون الأشعار وتارةً يتساندون الأخبار. (الشريشي, الجوهرية)

[4] قوله: [سمَلٌ...إلخ] ½سمل¼ ثوب خلَق, عن أبي هريرة رضي الله عنه, أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّ الله تعالى يحبّ المؤمن المبتذل الذي لا يبالي ما لبس)) أي: التارك للزينة تواضعا, و½المشية¼ هيئة المشي, و½القزَل¼ أسوء العرج, و½قزل الرجُل¼ إذا مشى مشية مقطوع الرِجْل. (مغاني)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132