عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

وتجلّتْ لكَ العِبَرُ فتَعامَيْتَ [1], وحَصْحَصَ لكَ الحقُّ فتمارَيْتَ, وأَذكَرَكَ الموتُ فتَناسَيتَ [2], وأمكنَكَ أنْ تُؤاسِيَ فما آسيْتَ! تُؤثِرُ فَلساً توعِيهِ على ذِكْرٍ تَعيهِ [3], وتَختارُ قَصْراً تُعْليهِ على بِرٍّ تُولِيهِ, وتَرْغَبُ عَنْ هادٍ تَسْتَهْدِيهِ [4] إلى زادٍ تَستَهْديهِ,    


 



[1] قوله: [وتجلّتْ لكَ العِبَرُ فتَعامَيْتَ...إلخ]  ½تجلّت¼ أي: ظهرت وبانت, و½العِبَر¼ جمع عبرة, وهي ما يُتَخوّف ويُتّعظ به من الآيات عند رؤيته, و½تعاميت¼ أظهرتَ العَمَى, و½حصحص الحق¼ أي: ظهر وتبيّن, من ½الحصّ¼ وهو ذهاب الشَّعر فيتبيّن ما تحته, والحاء الثانية مبدلة من صاد الثالثة, وإذا اجتمع الأمثال في مثل هذا أبدلت العرب من الحرف الأوسط حرفاً من جنس الحرف السابق, و½الحصحصة¼ بيان الحقّ بعد كِتمانه, وفي التنزيل: ﴿ٱلۡـَٰٔنَ حَصۡحَصَ ٱلۡحَقُّ[يوسف:٥١], أي: تبيّن الحقُ وظهر, و½تماريت¼ جادلت مشكِّكاً ودافعت عن الحقّ, و½المِراء¼ الشكّ, قال الله تعالى: ﴿ أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ[النجم:١٢], أي: أفتجادلونه أنه رأى الآية الكبرى من آياته, وقيل: ½ماريت¼ أي: جحدت. (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [وأَذكَرَكَ الموتُ فتَناسَيتَ...إلخ] و½أَذكَرك الموت¼ يحتمل وجوها, أحدها: أن يكون مفعوله الثاني محذوفا, تقديره: ½وأذكرك الموتُ الآخِرةَ¼, والثاني: أن يكون استعمله استعمال نبهك فيكفيه مفعول واحد, والثالث: أن يكون الموت منصوباً بكونه مفعولاً ثانياً لـ½أذكرك¼ والفاعل ضمير ½الحقّ¼, و½آسيته بمالي¼ مؤاساة -بالهمزة- أي: جعلتُه أسوة لي وشاركته فيه, وقيل: لا يكون منه ذلك إلا في كفاف, فإن كان من فضلة فليس ذلك بمؤاساة, و½واسى¼ -بالواو- لغة ضعيفة فيه, فمعناه: نبّهك موتُ الإخوان والأحبّاء على موتك وعلى الآخِرة فتركتَ تذكيره وأمكنك أن تساعدَ وتعاون نفسَك على الصلاح وطلب الفلاح فما ساعدت ولا عاونت. (مغاني, المطرّزي)

[3] قوله: [تُؤثِرُ فَلساً تُوعِيهِ علىٍ...إلخ] ½تؤثر¼ تُفضِّل, و½الإيثار¼ تفضيل شيء على آخَر, وفي التنزيل: ﴿بَلۡ تُؤۡثِرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا[أعلى:١٦], يقال: ½أوعاه¼ أي: جعله في الوعاء, و½توعيه¼ أي: تجمعه في وعاءٍ, والجملة صفة لـ½فلساً¼, ويقال: ½وَعيتُ الحديث¼ أي: حفظتُه, و½تَعِيه¼ تحفظه, ومنه قوله تعالى: ﴿وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ[الحاقة:١٢], أي: حافظة لما تسمع, و½تعليه¼ أي: ترفعه, والجملة صفة لقوله: ½قصراً¼, و½البرّ¼ هو الصدق والطاعة وقيل: الاتساع والإحسان والزيادة, و½تُوليه¼ تعطيه وتلصِقه بمن تبرّه, يقول: تفضل الفُلوسَ المدّخرة على الأذكار المحفوظة في الذهن وترجّح القصورَ العالية على صنع المعروف إلى الناس. (مغاني, المصباحي)

[4] قوله: [وتَرْغَبُ عَنْ هادٍ تَسْتَهْدِيهِ...إلخ] ½ترغب عنه¼ أي: تتركه, يقال: ½رغب عنه¼ إذا زهد فيه ولم يرده, و½رغب في الشيء¼ و½رغب إليه¼ أي: أراده, و½الهادي¼ مرشد لطريق الخير, و½تستهديه¼ -الأولى- أي: تسترشده وتسأله أن يهديَك إلى الخير, و½تستهديه¼ -الثانية- تطلب أن يهدى لك هدية, يقول: تترُك مَن يهديك إلى طريق الخَير فلا تسأله الهِدايةَ, وتقصُد أعراضَ الدنيا مِن الأطعمة وغيرها وترغب أن تعطى منها هَديّة, وقد جاء في الحديث المسند: ((مَن رغِب فى الدنيا وأطال أملَه فيها أعمَى الله قلبَه على قدْر ذلك, ومَن زهِد فى الدنيا وقصَّر أملَه فيها أعطاه الله عِلمًا بغير تعلُّم وهُدًى بغير هِداية)). (مغاني, الشريشي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132