عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

شُعْبَتي, حضَرْتُ دارَ كُتُبِها التي هيَ مُنتَدى المُتأدِّبينَ, ومُلتَقَى القاطِنينَ منهُمْ والمُتغرِّبينَ, فدخَلَ ذو لِحْيَةٍ كثّةٍ [1], وهيئَةٍ رَثّةٍ, فسلّمَ على الجُلاّسِ, وجلَسَ في أُخرَياتِ الناسِ, ثمّ أخذَ يُبْدي ما في وِطابِهِ [2], ويُعْجِبُ الحاضِرينَ بفصْلِ خِطابِهِ, فقال لمَنْ يَليه: ما الكِتابُ الذي تنظُرُ فيهِ؟ فقالَ: ديوانُ أبي عُبادةَ [3], المشْهودِ لهُ بالإجادَةِ,   


 



[1] قوله: [فدخَلَ ذو لِحْيَةٍ كثّةٍ...إلخ] أي: كبيرة كثيرة الشَّعر, وقيل: خفة اللحية تدلّ على السعادة واللياقة, وكبرها وكثرتها يدلّ على الحَماقة, و½الهيئة¼ اللباس, وقيل: الصورة, و½الرث¼ الثوب البالي, وقال ابن دُرَيد: ½رثُّ كلّ شيء¼ خسيستُه, ويستعمل في ما يلبس ويفرش كثيراً, و½هيئة رثة¼ أي: بصورة وشكل خَلِق, و½الجُلاّس¼ جمع جالس, و½أخريات الناس¼ جمع ½أخرى¼, أي: في أواخرهم. (مغاني)

[2] قوله: [أخذَ يُبْدي ما في وِطابِهِ...إلخ] ½أبديته¼ أي: أظهرته, و½الوِطاب¼ جمع ½وَطْب¼ وهو سِقى اللبن, ويجمع أيضاً ½أوطاباً¼, عبَّر به عمّا كان مستوراً من المحاسن محفوظاً به, كما أنّ اللبن عند العرب من أحسن المشروبات, ولهذا يقال: في التعجّب: ½لله دَرُّه¼, يقال: ½عجّبتُ فلانا¼ إذا جئتَ بشيء يتعجّب منه, و½فصل الخطاب¼ قيل: هو أن يفصل لخطابه بين الحقّ والباطل, وقيل: الخطاب بمعنى المخاطبة, وقيل: هو الإيجاز في الكلام مع الإفهام, ويسمّى كلّ فرق بين الحقّ والباطل فصلاً, وقيل: هو قولك: ½أمّا بعد¼, وإنما قيل له فصل الخطاب؛ لأنّ الكلام يستفتح بالحمد لله ثمّ يقال: ½أما بعد والأمر كذا وكذا¼, فقد فصل بين ذكر الله وبين الأمر الذي يُراد به الذكر بـ½أما بعد¼, و½يليه¼ أي: يقرب منه, ومنه الحديث: ((كل مما يليك)). (مغاني)

[3] قوله: [ديوانُ أبي عُبادةَ...إلخ] ½أبو عبادة¼ هو البُحْتُرِيّ, اسمه الوليد بن عبيد, قال أبو بكر الخطيب: ولد البحتري بـ"مَنْبِج" ونشأ به ثم خرج إلى العراق فمدح خليفة جعفر المتوكّل بن المعتصم, وخلقاً كثيراً من الأكابر, ولد سنة ستّ وماتين, كان البُحْتُرِيّ شاعراً فصيحاً فاضلا, حسن المذهب, نقي الكلام, خُتم به الشعراء المحدَثون, وله تصرّف في ضروب الشعر سوى الهجا فإنّ بضاعته فيه نزرة, وروي: أنّ البحتري لمّا حضرته الوفاة أمر ابنه أبا الغوث أنْ يجمع أهاجيه ويحرقها, ففعل ابنه ذلك إلاّ القليل, قال: وقيل للبحتري:

أيّما أشعر أنتَ أو أبو تمّام؟ فقال: جيّده خير من جيدي, ورديي خيرٌ من رديه, مات البحتري في سنة ثلاث وقيل: سنة أربع وقيل: سنة خمس وثمانين ومِئَتَين. و½المشْهودِ لهُ بالإجادَةِ¼ أي: شهد النقّاد الخُبراء في حقّه بأنّه يقرض الشعر الجيد, و½الإجادة¼ الإتيان بالجيِّد من القول أو العمل. (مغاني, المصباحي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132