عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

ونتنوّرُ نيرانَ القِرَى, فلمّا رأى أبو زيدٍ امتِلاءَ كِيسِهِ [1], وانجِلاءَ بُوسِهِ, قال لي: إنّ بدَني قدِ اتّسَخَ, ودرَني قد رسَخَ, أفتأذَنُ لي في قَصْدِ قريَةٍ لأستَحمّ [2], وأقضيَ هذا المُهِمَّ؟ فقلتُ: إذا شِئْتَ فالسّرعَةَ السّرْعَة [3], والرّجعَةَ الرّجْعَةَ! فقال: ستجِدُ مطْلَعي عليْكَ [4], أسرَعَ منِ ارْتِدادِ طرْفِكَ إليْكَ, ثمّ استَنّ استِنانَ الجَوادِ [5] في المِضْمارِ, وقال لابْنِهِ: بَدارِ بَدارِ! ولَمْ نَخَلْ أنّهُ غَرَّ,


 



[1] قوله: [امتِلاءَ كِيسِهِ...إلخ] ½كيسه¼ وعاء دراهمه, و½الكيس¼ خريطة تسع خمسمائة درهم, و½البَدْرة¼ تسع عشرة آلاف درهم, و½الانجلاء¼ الانكشاف, و½البوس¼ الشدّة والفقر, و½انجلاء بوسه¼ انكشاف فقره, و½اتسخ¼ أي: صار وسخاً, و½الدرَن¼ الوسَخ, و½رسخ الشيء¼ أي: ثبت, و½رسَخ الشيءُ في الأرض¼ رسوخاً, غاب فيها, و½رسخ العالِم في العلم¼, دخل فيه. (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [أفتأذَنُ لي في قَصْدِ قريَةٍ لأستَحمّ...إلخ] و½أستحمّ¼ أدخُل الحمام, و½استحمّ الرجل¼ أي: اغتسل بالماء الحارّ, وبالماء البارد أيضاً, وهو مِن الأضداد, و½أقضي¼ أقطع وأزيل, و½قضيت الشيء¼ صنعته, و½المهمّ¼ أراد به فرض الصلاة, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ½إنّ أهم أموركم عندي الصلاة, فمن ضيَّعها فهو لما سواها أضيَع¼, وقيل: ½المهمّ¼ الوسَخ؛ لأنّ الأمر المهمّ هو الذي في القلب منه همّ وشغل, وقد ذكر أنّ الذي أوجب عليه قصد الحمام هو ما عليه من الوسَخ, فيكون قوله: ½وأقضي هذا المهمّ¼ من قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ[الحج:٢٩], (الشريشي, مغاني)

[3] قوله: [فالسّرعَةَ السّرْعَة...إلخ] ½السرعة¼ نقيض البطء, و½الرجعة¼ الرجوع, وهما منصوبان على الإغراء, معناه: الزَم السرعة والرجعة أو عليك بهما, يقول: إذا شئت أن تقصد الحمّام فالزم السرعة وعجّل الرجعة, وكرّرهما تأكيداً, والفعل الناصب لهما يلزم إضماره مع التكرير, فإذا أفردت جاز إظهار الفعل. (الشريشي)

[4] قوله: [ستجِدُ مطْلَعي عليْكَ...إلخ] ½مطلَعي¼ مصدر بمعنى طلوعي ورجوعي, أهل الحجاز يفتحون لامَه في المصدر, وغيرُهم يكسرها, و½الارتداد¼ الرجوع, و½ارتداد طرفك¼ أي: رجوع نظرك, وأراد برجوعه: انطباق الجفن بعد انفتاحه. (الشريشي, الرازي)

[5] قوله: [ثمّ استَنّ استِنانَ الجَوادِ...إلخ] ½استنّ¼ جرى, و½الجواد¼ الفرس الكريم, و½المضمار¼ الموضع الذي تُضمَّر فيه الخيل لِلسِّباق, وتَضْميرُها أن تُشَدّ عليها سُروجُها وتُجَلَّل بالأَجِلَّة حتَّى تَعْرق تحتَها فيذهب رَهَلُها ويشتدّ لحمها, وقيل: ½المضمار¼ الميدان, وقيل: الغابة, و½استنان الجواد¼ مفعول مطلق, أي: ثُمّ جَرى كما يجري الفرَسُ السريع, و½بدار بدار¼ أي: بادر واسرع, وهي بمعنى الأمر كقولك: ½حذار¼ أي: احذر, ½لَم نخل¼ لم نظنّ و½غرّ¼ خدع, و½المفرّ¼ الفرار, وهو الهرب, أي: قال لابنه: اسرع بالجري واسبق إلى الحمّام ولم نحسب بأنه يخدعنا ويريد الفرار. (الشريشي, مغاني)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132