طيب رائحة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم | الشيخ أيمن ياسر بكار


نشرت: يوم الخميس،15-نوفمبر-2018

طيب رائحة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:

فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ التعرفَ على شمائلِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخلاقه وأوصافه وكماله وجماله من أوجب الواجبات، ومن أفضل الأعمال والقربات، فتعرفنا إليه سيقربنا منه، والقربُ من سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم ما يمكن أن يطلبه مخلوق في هذا الوجود..

وسنحدِّثُكم في هذه الكلمات عن طيبِ رائحةِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وحتى نتعرف إلى طيب رائحته أو أي صفة يتصف بها صلى الله عليه وآله وسلم، ينبغي أن نستمع إلى كلام ووصف من عاش مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورآه عن قرب، وها هو سيدنا أنس رضي الله عنه قد خدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين دعونا نستمع لما يقول:

«كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أزهرَ اللونِ كأنَّ عرقَه اللؤلؤُ؛ إذا مَشَى تكفأ، ولا مَسِستُ ديباجةً ولا حريراً ألينَ من كفِّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شمَمتُ مِسكةً ولا عنبرةً أطيبَ من رائحةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم». (رواه مسلم: ٢٣٣٠)

وسيدنا أنس رضي الله عنه صحابي جليل عارف بالطيب والعطور وأنواعها الجميلة وهو صادق فيقول لنا: "ولا شمَمتُ مِسكةً ولا عنبرةً أطيبَ من رائحةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم" فهو لا يصفه بهذا الوصف لأنه يحبه فقط، بل لأنه في الحقيقة كانت رائحته صلى الله عليه وآله وسلم أطيب من رائحة أي طيب أو عطر.. ويؤكد هذا المعنى ما رواه مسلمٌ عن أنسٍ رضي الله عنه قال: دخل علينا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال عندَنَا، فعَرِق، وجاءتْ اُمي بقارورة، فجعَلتْ تَسلِتُ العرَقَ فيها، فاستيقظَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ:

((يا اُمَّ سُلَيمٍ! ما هذا الذي تَصْنَعِيْنَ؟)) قالتْ: هذا عرَقُك نجعلُه في طيبِنَا، وهو مِن أطْيَبِ الطيبِ. (صحيح مسلم: ٢٣٣١)

فهكذا كانت رائحته عليه الصلاة والسلام أطيب من أي طيب أو عطر.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحب الطيب ويستخدمه كثيراً، روى البخاريُ عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم

((كان لا يَرُدُّ الطيبَ))، (صحيح البخاري: ٢٥٨٢)

كان صلى الله عليه وآله وسلم يُعْرَفُ بريحِ الطيب إذا أقبلَ، أيْ أنَّه إذا مرَّ بِطريقٍ يُعْرَفُ من طيب ريح الطريقِ الذي يَمُرُّ فيه، وَإنْ لمْ يَتَطَيَّبْ صلواتُ ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومع ذلك كان يُحِبُّ الطيبَ غايةَ المحبةِ وكان يحرص على الجمال والنظافة والطهارة والظهور في أفضل صورة، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:

"إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجمالَ". (رواه مسلم: ٩١)

وكان صلى الله عليه وآله وسلم حريصاً على نظافَةِ ثوبِه، وَجَمَالِ لحيَتِهِ، وتَرْجِيْلِ شعرِهِ، وطيبِ رائحةِ بدنِهِ، فأنتَ يا أخي بهذا تَقْتَدِيْ بِالْحَبِيْبِ صلى الله عليه وآله وسلم، النبيُّ عليه الصلاة والسلام لمْ يكنْ يخرج إلى الناسِ إلاَّ بعدَ أنْ يَتَجَمَّلَ وَيَتَزَيَّنَ وَيَتَطَيَّبَ عليه الصلاة والسلام، وَيَنْظُرُ في المرآة ويسرح شعرَ اللحية، وكان إذا سَافَرَ أَخَذَ مَعَهُ السواكَ والمرآةَ والمشطَ والمكحلةَ، ففي الحديثِ عنْ أبيْ هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» (رواه أبو داود: ٤١٦٣)

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحث المسلمين على التطيب والاعتناءبالنظافة والأناقة، ولا يليق بمسلمٍ محبٍ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تخرج منه رائحة كريهة في المسجد أو عند لقاء الناس، ولا أن يظهر بثيابٍ رثة، ولا بشعرٍ أشعث، بل يعتني بنظافة جسده وطيب رائحته، ونظافة ثيابه وحسن منظرها، ويرجل شعره ويحسن شكله.. حتى يكون مقتدياً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وممثلاً للإسلام بشكل صحيح، حتى لا يقترب منك الناس إلا ورأوا منظراً بهياً جميلاً، وإذا مررت بمكان عرفوا من أثر رائحتك أنك كنت هنا كما أورد مسلم حديثَ جابر بنِ سَمُرَةَ رضي الله تعالى عنه، قال: "صلَّيْتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الأولى، ثم خَرَجَ إلى أهلِه، وخرجتُ معه، فاستقبَلَه وِلْدَانٌ، فجعل يمسح خدَّيْ أحدِهم واحداً واحداً، قال: وأما أنا فمسح خَدِّي، قال:

«فوجدت لِيَدِه بَرداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جُؤنَة عطَّار»

(رواه مسلم: ٢٣٢٩) [أي السقط الذي فيه متاع العطار]. (شرح صحيح مسلم للنووي: باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الجزء: ١٥ الصفحة: ٨٥)

وقال النووي في شرح مسلم: "وفي هذه الأحاديث بيانُ طيبِ ريحِه صلى الله عليه وآله وسلم وهو مِمَّا أكرَمَهُ الله تعالى، قال العلماءُ: كانتْ هذهِ الريح الطيبة صفته صلى الله عليه وآله وسلم وإن لمْ يمس طيباً، ومع هذا فكان يستعملُ الطيبَ في كثيرٍ من الأوقات مبالغةً في طيب ريحه، لِمُلاَقَاةِ الملائكةِ وأَخْذِ الوحيِ الكريم ومجالسةِ المسلمينَ. (المرجع نفسه)

سُئِلَ أحدُ العارفين عن ثَمَرَاتِ التعرُّفِ على جمالِ وهيئة سيدنا النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟

فقال: المحبة، لأن النفوسَ مجبولةٌ على محبةِ الجمالِ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أجمل الخلق وأحبهم إلى الله الحق.

لذلك أيها الأحبة! علينا أنْ نَتَعَرف ونُعرّف أبناءَنَا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتعلقوا به، وتمتلئ قلوبنا بمحبةِ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، لأنَّها هي التي تَقُوْدُنَا إلى التربيةِ الإسلاميةِ الصحيحةِ وهي التي تقودنا إلى الجنة إن شاء الله تعالى.

وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.. والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية