نبذة مختصرة عن سيرة الإمام أحمد رضا خان الهندي رحمه الله | محمد جنيد القادري


نشرت: يوم الخميس،17-أكتوبر-2019

نبذة مختصرة عن سيرة الإمام أحمد رضا خان الهندي رحمه الله

هو إمام المتكلّمين، وقامع المبتدعين، الذابّ عن حوزة الدين، وحجّة الله للمؤمنين، وفخر الإسلام والمسلمين، والعالم المتبحّر، قدوة الأنام، تاج المحقّقين، وشمسهم الساطعة، وقمرهم البازغ، نصير أهل السنة والجماعة، العالم العلاّمة الإمام الشيخ أحمد رضا خان الهندي ابن الشيخ المفتي نقي علي خان، حنفيّ المذهب، قادريّ الطريقة، المحدث، المفسر، الأصولي، عبقريّ الفقه الإسلامي، صاحب التصانيف الوافرة في العلوم والفنون المتناثرة..

اسمه ونسبه:

هو أحمد رضا خان ابن نقي علي خان ابن رضا علي خان ابن محمد كاظم علي بن شاه محمد أعظم بن محمد سعادت يار خان.
اسمه في الأصل كان محمد وقد سمّي بهذا الاسم في البداية إلا أنّ جده مولانا رضا علي خان رحمه الله تعالى غيّر اسمه فسمّاه بأحمد رضا واشتهر بهذا الاسم في الهند وخارجها.. (الملفوظ الشريف، صـ٣)

مولده ونشأته:

وُلد الإمام أحمد رضا خان الهندي رحمه الله تعالى في ١٠ شوّال سنة ١٢٧٢ ﻫ الموافق ١٤ من حزيران سنة ١٨٥٦ م. (حياة أعلى حضرة: ١/٥٨، ملخصاً)
ونشأ في أسرة دينيّة وبيئة صالحة وربّاه جده الكريم إمام العلماء والصالحين الشيخ المفتي رضا علي خان قدس سرّه الرحمن (المتوفى ١٢٨٦ هـ) ووالده الشفيق رئيس المتكلمين المفتي نقي علي خان القادري رحمه الله تعالى. (المتوفى ١٢٩٧ هـ)

أسرته الكريمة:

أسرة الإمام أحمد رضا خان رحمه الله تعالى كانت أصلًا من "قندهار"، "أفغانستان"، لكن هاجر بعض أجداده إلى بلاد "الهند" في عصر المغول، ونال بعضهم منصبًا من الحكومة وبعضهم الآخر رغب عن وظيفة الحكومة إلى الرياضة والمجاهدة والذكر وكثرة العبادة، فأصبح عمله سنّة أولاده، وتحوّلت الأسرة من مَنْحى الأمراء إلى منهج الزهّاد والفقراء الصوفيّة.
وكان جدّه من كبار العلماء والصالحين، يقوم بالإفتاء والإرشاد والتصنيف والتدريس فتتلمّذ عليه كثيرٌ من أهل "الهند" وأثنوا عليه كثيراً. وأبوه الشيخ المفتي نقي عليّ خان القادري أيضاً كان عالماً شهيراً، وصاحب الفتاوى والتصانيف الجليلة، منها: "الكلام الأوضح في تفسير سورة ألم نشرح" في نحو خمس مئة صفحة.

قوة ذاكرته وحياته العلمية:

أخذ الإمام العلوم الدينية النقلية والعقلية من والده وتلقَّى بعض العلوم عن المشايخ الآخرين حتى أكملها في شعبان المعظم سنة ١٢٨٦ هـ، وهو ابن ١٤ سنة، وأصبح عالماً مفسّرًا فقيهًا متكلّماً إماماً كبيرًا عظيمًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقد أجمع عدد كبير من العلماء على كونه عبقريًّا، تبدو مخايل عبقريّته منذ صباه فكان يستحضر كل ما يدرّسه أستاذه على الفور، فيقع الأستاذ في الحيرة الاستغراب.
حفظ الإمام القرآن الكريم في غضون شهر واحد، وهذا مما يدل على قوة ذاكرته، وما اقتصر على ذلك بل خلّف المصنفات في كلّ علم وفن.
صنّف أوّل كتاب "شرح هداية النحو" باللغة العربية في الثامن من عمره، ثم كتابًا آخر في الثالثة عشر من عمره، ثم ما زال يكتب ويصنّف حتى زاد عدد مصنفاته على الألف.
ونفس اليوم الذي أكمل فيه الدراسة اشتغل بكتابة الإفتاء، وأوّل ما أفتى عن مسألة الرضاعة، ثم عرضه على والده الذي كان مفتي "الهند" ففرح جدًّا لصحّة الجواب وفوّض إليه أمور الإفتاء كلّها فاستمرّ الإمام بالإفتاء إلى خمسين سنة تقريبًا.

نبوغه في العلوم والفنون:

لَم يكن الإمام عالماً في العلوم الدينيّة المعروفة فقط، بل كان متبحرًا في كثير من العلوم الدينيّة والفنون الأخرى، وفي أكثر من خمس وخمسين علْماً.

البيعة والخلافة:

ذهب الإمام أحمد رضا مع والده سنة ١٢٩٤ هـ قرية "مَارَهْره" إلى حضرة السيّد مجمع الطريقين ومرجع الفريقين من العلماء والعرفاء الأطاهر، ملحق الأصاغر بالأكابر، سيدنا الشيخ الشاه آل الرسول القادري المارَهْرَوِي رحمه الله تعالى فبايعه الإمام أحمد رضا في السلوك على الطريقة القادريّة، ونال منه الإجازة والخلافة في سلسلة الأولياء؛ وإجازة في الحديث وجميع الفنون أيضاً، وكان الشيخ آل الرسول من كبار تلاميذ الشيخ عبد العزيز الدهلوي رحمه الله تعالى.

حبه للنبي صلى الله عليه وسلم:

ذكر شيخ الطريقة العطّاريّة القادرية الشيخ محمد إلياس العطّار القادري حفظه الله ورعاه في كتيّب له "تذكرة الإمام أحمد رضا" بأنه رحمه الله تعالى كان محبًّا كامل المحبة للنبي المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم، وحقق محبّته اعتقاداً وقولاً، وفعلاً، ويشهد له بذلك ديوانه المعروف باسم "حدائق بخشش" أي: "حدائق الغفران" وكانت المحبة النبوية قوية في شخصيته، فلم يتوجه إلى مدح الأمراء، إنما وظَّف موهبته الشعرية في مدح النبي الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم وقال عن نفسه: «لو شُقَّ قلبي وجُعل نصفين كان في الأول مكتوب: لا إله إلا الله، وفي الثاني مكتوب: محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم»(سوانح الإمام أحمد رضا، صـ٩٦)

وذكر أيضاً بأنه بلغ رحمه الله تعالى مقام الفناء في حب الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم فلذا كان لا يصبر على أدنى جهة تدل على الإهانة للحضرة النبوية ولا يصبر على من يشمّ منه إهانة لمقام الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم، فهو جبّار وأشدّ من الفولاذ على من يتجرأ على جناب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولو أدنى جرأة يمسّ فيها احترام النبي الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم، لأن قلبه كان مفعماً بمحبة الحبيب صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم.

أساتذته ومشايخه:

أسماء بعض المشايخ والعلماء الذين أسند إليهم الإمام أحمد رضا خان الهندي رحمهم الله تعالى في الحديث والفقه وجميع العلوم والفنون.. كما ذُكر في المجلد الأول من جدّ الممتار على رد المحتار وذُكر فيها نبذة عن سيرتهم أيضاً:

(١) جدّه الأمجد إمام العلماء والصالحين المفتي الشيخ رضا علي خان النقشبندي الأفغاني.

(٢) شيخ الإمام في الطريقة، الشيخ السيد الشاه آل الرسول القادري المارَهْرَوي.

(٣) والده الكريم رئيس المتكلمين الشيخ المفتي نقي علي خان القادري.

(٤) حفيد شيخه الشيخ السيد الشاه أبو الحسين أحمد النوري.

(٥) الإمام الشيخ السيد أحمد بن زيني دحلان الشافعي المكي.

(٦) مفتي الحنفية بـــــــ "مكة المحميّة" الشيخ عبد الرحمن سراج المكي.

(٧) الشيخ حسين بن صالح جمل الليل المكي.

(٨) الشيخ العلامة عبد العلي الرامفوري.

٩) الشيخ الأستاذ غلام قادر بيك. رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعنّا بهم آمين بجاه سيد المرسلين عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم.

تلامذته:

وحصل لبعض علماء العرب استفادات ظاهرة من الإمام رحمه الله تعالى ومنهم:

(١) محدّث المغرب الشيخ السيّد محمّد عبد الحيّ ابن الشيخ الكبير السيّد عبد الكبير الكتّاني الحسني الإدريسي الفاسي.

(٢) مفتي الحنفيّة بـ"مكة المحمية" الشيخ صالح كمال المكي.

(٣) أمين مكتبة الحرم: العلامة الجليل السيد إسماعيل بن خليل المكي.

(٤) الشيخ عبد القادر الكردي المكي.

(٥) الشيخ السيد عبد الله دحلان وهو ابن أخ الإمام الشهير سيدنا أحمد بن زيني دحلان المكي.

(٦) الشيخ السيد محمد بن عثمان دحلان المكي.

(٧) الشيخ أسعد الدهان المكي.

(٨) الشيخ أحمد الدهان المكي.

(٩) الشيخ عبد الرحمن الأفندي الشامي.

وغيرهم من العلماء ذوي المكانة العالية والدعاة البارزين، ويزيد عدد خلفائه في الطريقة على مائة خليفة انتشروا في "الهند" و"باكستان" وفي مشارق الأرض ومغاربها، رحمهم الله تعالى أجمعين ودامت بركاتهم وفيوضهم..

زيارته للحرمين الشريفين

حجّ الإمام أحمد رضا أوّل مرة في سنة ١٢٩٥ هـ مع والده، فلمّا رآه في الطواف إمام الشافعية في المسجد الحرام الشيخ حسين بن صالح جمل الليل ابتدره قائلًا وهو يعبر عن شعوره: "والله إنّي لأرى نور الله من هذا الجبين".(حياة أعلى حضرة: ١/٨٩، ملخصاً)

أقوال أهل العلم في الشيخ أحمد رضا خان:

هذا وقد أثنى عليه علماء كبار وأئمة عظام من العرب والعجم، من الذين عاصروه وأخذوا عنه أو ممن سمعوا به فيما بعد وقرؤوا كُتُبه، وهذا يدلّ على عظيم أثره حتى بين أهل العلم؛ وقد ذاع صِيتُه في شرق آسيا والهند، ولذا نقتصر على بعض أقوال أهل العلم من العرب في حقّه:

١- قال الإمام الحافظ السيد محمد عبد الحي الكتاني في كتابه:
ومنهم العلامة الصاعقة في كثرة التصانيف والقلم السيّال والجمع، شهاب الدين، أحمد رضا (علي) خان البريلوي البركاتي الهندي، لقيتُه بمكة المكرّمة حاجاً وهو عظيم الصيت كثير التصنيف، بلغت مؤلفاته إذ ذاك أزيد من مائتي مجلد، منها فتاويه المسمّاة بــــــ «العطايا المحمدية من الفتاوی الرضوية» (وهي بطبعتها الجديدة تحتوي ثلاثين مجلداً الآن) كانت إذ ذاك بلغت سبع مجلدات..، وهو شديد الانتصار لطريق القوم ومذاهبهم، عظيم الحب في الجناب النبوي والآل والأصحاب..(ترجمة الإمام أحمد رضا خان من كتاب أداء الحق الفرض.. صـ١٠ - ١١)

٢- وكتب العلاّمة الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي عن كتاب "الدولة المكية" للشيخ أحمد رضا فقال:
قرأتُه (أي: "الدولة المكيّة") من أوّله إلى آخره، فوجدته من أنفع الكتب الدينيّة وأصدقها لهجةً، وأقواها حجّةً، ولا يصدر مثله إلاّ عن إمام كبير علاّمة نحرير، فرضي الله عن مؤلّفه وأرضاه.. إلخ.(الدولة المكية: صـ٢١٢)

٣- وقال الشيخ محمّد أمين سويد الدمشقي في تقريظه لأحد كُتُب الإمام:

(العلاّمة الكبير، والفهامة الشهير، الألمعي المحقّق، اللوذعيّ المدقّق، الشيخ أحمد رضا خان.. إلخ).(الدولة المكية: صـ٢٣٥)

٤- الشيخ محمّد الدمشقي:
(مرشد السالكين، الملحوظ بعناية المعيد المبدي العالم الفاضل الشيخ أحمد رضا خان الهنديّ البريلوي، أسكنه الله الجنّة بفضله وكرمه، آمين).(الدولة المكية: صـ٢٣٩)

٥- أما الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن سراج مفتي الحنفيّة بـ"مكّة المحميّة" فقال:
(أمّا بعد: فله الحمد -جلّ وعلا- قد أوجد العلماء في الأعصار والأمصار، وجدّد بهم الدين، وأودع في قلوبهم من الأسرار والأنوار، ما أوزعت به نفوسهم تمام التبيين، وضمائرهم كمال التحقيق واليقين، وإنّ منهم العلاّمة الفهّامة الهمام والعمدة الدراكة، ألا! إنّه ملك العلماء الأعلام الذي حقّق لنا قول القائل الماهر: "كم ترك الأوّل للآخر").(الدولة المكية: صـ١٤٣)

كتبه ومؤلّفاته:

ذكرنا أن الشيخ أحمد رضا خان كان متبحراً في علومٍ كثيرة، وشديد الانتصار للدين، ولذا كان حريصاً في الدفاع والذبِّ عن حماه وخصوصاً فيما يتعلق في الجناب النبوي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأصحابه، إلى جانب الحرص على عقيدة أهل السنة والجماعة، والرد على الشبهات؛ ولذلك كثرت مؤلّفاته ورسائله، حتى قاربت ألف كتاب وزيادة؛ وتنوّعت مواضيعها، وظهرتْ أهمّيتها لدى أهل العلم ومنها:
1. الدولة المكّيّة بالمادّة الغيبية.
2. الفيوضات الملكيّة لمحبّ الدولة المكّيّة.
3. إنباء الحيّ أنّ كلامه المصون تبيان لكلّ شيء.
4. حسام الحرمين على منحر الكفر والمين.
5. فتاوى الحرمين برجف ندوة المين.
6. المعتمد المستند على المعتقد المنتقد.
7. جدّ الممتار على ردّ المحتار.
8. إقامة القيامة على طاعن القيام لنبيّ تهامة.
9. الزبدة الزكيّة لتحريم سجود التحيّة.
10. الفضل الموهبي في معنى إذا صحّ الحديث فهو مذهبي.
وغيرها العشرات من الكتب الهامة...

رحلته إلى الدار الآخرة:

غربت هذه الشمس الساطعة للعلوم والحِكم في ٢٥ صفر عام ١٣٤٠هـ/١٩٢١م وقت صلاة الجمعة أثناء قول المؤذن: "حي على الفلاح" ببلدة "بريلي" ولقد صدق من قال: "موت العالِم موت العالَم" ولكن هذا المرتحل لم يكن عالماً فقط بل كان عبقريّ الإسلام وإمام أهل السنة والجماعة، فترك فراغاً لا يملأ، ويستمرّ الفراغ إلى الآن وخصوصاً في شبه القارة الهندية التي تحتاج في كل عصر لأمثاله فرحمه الله تعالى رحمةً واسعةً.. (سوانح الإمام أحمد رضا: صـ٣٨٤، ملخصاً)

تعليقات



رمز الحماية