الفاروق الأعظم حارس الأمة | الأستاذ عدنان أحمد العطاري المدني


نشرت: يوم الثلاثاء،18-نوفمبر-2025

الفاروق الأعظم حارس الأمة

هذا المقال من مجلة نفحات المدينة: 18

من الأمور والأعمال الضرورية التي يجب على الحاكم مراعاتها لإدارة الحكم والسلطة بشكل جيد وناجح، هو أن يتفقد أحوال رعيته ويرعى الاهتمام بشؤونهم.

ولذلك قالوا: كما يجب على الأم المرضعة أن تعتني بطفلها، كذلك ينبغي للملك أن يعتني بشعبه، وكان من مناقب الخليفة الثاني سيدنا عمر الفاروق الأعظم رضي الله عنه التي لا تُحصى، أنه كما كان يلتقي بالناس نهارًا ليحل مشاكلهم ويقضي حوائجهم، هكذا كان يهتم بشؤون رعيته ليلًا. وإليك بعض هذه الوقائع التي تناسب هذا المقام:

من الأمور التي يجب على الحاكم الاهتمام بها لإدارة حكومته وإمبراطورية بنجاح وكفاءة مراقبة شؤون رعيته.يُقال: إنه كما ترعى المرضعة طفلها، ينبغي على الملك أيضًا رعاية رعيته. ومن الصفات العديدة للخليفة الثاني، حضرة عمر فاروق الأعظم (رضي الله عنه)، أنه كان يلتقي بالناس نهارًا ويحل مشاكلهم، وكان أيضًا يهتم بشؤون رعيته ليلًا. لنقرأ بعض الحوادث في هذا الصدد.

قلق سيدنا الفاروق الأعظم بشأن أمة سيدنا محمد ﷺ:

روي عن سيّدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: أحدث سيّدنا عمر رضي الله عنه فِي زمان الرَّمَادَة أمرًا مَا كَانَ يفعله قبل، كان يصلّي بالنّاسِ العشاء، ثُمَّ يدخل إِلَى بيته فلا يزال يصلّي إلى آخِر اللّيل، ثمّ يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عَلَيْهَا، وإنّي لأسمعه ليلةً في السحر وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ لا تجعل هلاك أمّة مُحَمَّدٍ عَلَى يدي، وفي ولايتي ((10/384):نساب الأشراف للبلاذري)

استفساره من الناس في المسجد:

روي عن أبي سعيد مولى أبي أسيد رضي الله عنه أنّه قال: كان سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس في المسجد بعد العشاء، فلا يرى أحدًا إلّا أخرجه إلّا رجلًا قائمًا يصلّي، فمرّ بنفرٍ مِن أصحاب النبي ﷺ فيهم سيّدنا أبي بن كعب رضي الله عنه، فقال: مَن هؤلاء؟

فقال سيّدنا أبي بن كعب رضي الله عنه: نفرٌ مِن أهلك يا أمير المؤمنين!

قال: ما خلّفكم بعد الصلاة؟

قالوا: جلسنا نذكر الله، فجلس معهم، ثمّ قال لأدناهم: خُذْ في الدعاء فدعا، فاستقرأهم رجلًا رجلًا حتّى انتهى إليّ وأنا بجنبه،

فقال: هات، فحُصرتُ وأخذني الخجل.

فقال: قُلْ ولو أنْ تقول: اللهم اغْفر لنا، اللهم ارحْمنا، ثمّ أخذ سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الدعاء، فما كان أحد أكثر دمعة ولا أشدّ بكاء منه، ثمّ قال: تفرّقوا الآن. ((2/666):وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى)

حمله القِربة بنفسه:

قال الإمام الحسن رضي الله عنه : إن سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما هو يعس في المدينة باللّيل، إذ أتى امرأة مِن الأنصار تحمل قربة، فسألها فذكرتْ أنّ لها عيالًا، وأنْ ليس لها خادم، وأنّها تخرج باللّيل فتسقيهم الماء، وتكره أنْ تخرج بالنهار، فحمل سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنها القربةَ حتّى بلغ منزلها، وقال: اغدي على عمر غدوة يخدمك خادمًا. قالتْ: لا أصل إليه. قال: إنّكِ ستجدينه إنْ شاء الله تعالى. فغَدَتْ عليه فإذا هي به فعرفتْ أنّه الذي حمل قِربتَها، فذهبتْ تولي فأرسل في إثرها وأمر لها بخادمٍ ونفقة. ((صـ131-132):سراج الملوك للطرطوشي)

طلب الدعاء من امرأة عجوز:

عن زيد بن أسلم رحمه الله أنّه قال: خَرَجَ سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لَيْلَةً يَحْرُسُ فَرَأَى مِصْبَاحًا فِي بَيْتٍ، فَدَنَا مِنْهُ فَإِذَا عَجُوزٌ تَطْرُقُ شَعَرًا لَهَا لِتَغْزِلَهُ، أَيْ تَنْفُشُهُ بِقَدَحٍ لَهَا، وَهِيَ تَقُولُ:

عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَاةُ الْأَبْرَارْ

صَلَّى عَلَيْكَ الْمُصْطَفَوْنَ الْأَخْيَارْ

قَدْ كُنْتَ قَوَّامًا بَكى الْأَسْحَارْ

يَا لَيْتَ شِعْرِي وَالْمَنَايَا أَطْوَارْ

هَلْ تَجْمَعُنِي وَحَبِيبِي الدَّارْ

فَجَلَسَ سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يَبْكِي، فَمَا زَالَ (تَعْنِي النَّبِيَّ ﷺ) يَبْكِي حَتَّى قَرَعَ الْبَابَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَتْ: مَا لِي وَلِعُمَرَ؟ وَمَا يَأْتِي بِعُمَرَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: افْتَحِي رَحِمَكِ اللَّهُ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكِ. فَفَتَحَتْ لَهُ: فَدَخَلَ، فَقَالَ: رُدِّي عَلَيَّ الكَلِمَاتِ الَّتِي قُلْتِ آنِفًا، فَرَدَّتْهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَتْ آخِرَهُ، قَالَ: أَسْأَلُكِ أَنْ تُدْخِلِينِي مَعَكُمَا. قَالَتْ: وَعُمَرُ، فَاغْفِرْ لَهُ يَا غَفَّارْ. فَرَضِيَ سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وَرَجعَ ((4/428):نسيم الرياض))

مرضه بسبب سماع آية:

عن جعفر بن زيد العبدي رحمه الله تعالى أنّه قال: خرج سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس المدينة ذات ليلة فمرّ بدار رجلٍ مِن الأنصار فوافقه قائمًا يصلّي فوقف يسمع قراءته، فقرأ {وَالطُّورِ}، حتّى بلغ:

 إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِنْ دَافِع    (1-8:الطور)

فقال: قم وربّ الكعبة حقّ. ونزل سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن حماره فاستند إلى حائطه، فمكث مليًا، ثمّ رجع إلى منزله، فمرض شهرًا يعوده الناسُ لا يدرون ما مرضه (397 :محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب)

استشهاده رضي الله عنه:

ذات يومٍ كان يؤدِّي صلاة الفجر بالمسجد طعَنه أبو لُؤْلُؤَة المجوسي عدَّة طعَناتٍ على ظهره، أدَّتْ إلى استشهاده ليلة الأربعاء لثلاث ليالٍ بَقِيْن من ذي الحِجَّة سنَةَ ثلاث وعشرين من الهجرة، ودُفِنَ يوم الأحد وله ثلاث وستون سنة، وصلَّى عليه سِّيدنا صهيب رضي الله تعالى عنه، ودُفن في حجرة عائشة رضي الله عنها مع صاحبيه. (صـ 108، مختصرًا:تاريخ الخلفاء)

فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين ليلة من متوفى أبي بكر الصديق على رأس اثنين وعشرين سنة وتسعة أشهر وثلاثة عشر يومًا من الهجرة ((3/278):الطبقات الكبرى)

تعليقات



رمز الحماية