عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

فاستَهْوانا السّمَرُ [1], إلى أنْ غرَبَ القمَرُ, وغلَبَ السّهَرُ, فلمّا روّقَ الليْلُ البَهيمُ [2], ولمْ يبْقَ إلا التّهويمُ, سمِعْنا منَ البابِ نبْأةَ مُستَنْبِحٍ [3], ثمّ تلَتْها صكّةُ مُستفْتِحٍ, فقُلنا: مَنِ المُلِمّ, في اللّيلِ المُدْلَهِمّ؟ فقال:

يا أَهلَ ذا المَغْـنَى وُقيـتُـمْ شَـرّا

 

ولا لَـقيـتُـمْ مـا بَـقيـتُـمْ ضُـرّا [4]

قـدْ دفَـعَ الليـلُ الـذي اكْـفَهَـرّا

 

إلـى ذَراكُــمْ شَـعِـثـاً مُـغْـبَـرّا [5]


 

 



[1] قوله: [فاستَهْوانا السّمَرُ...إلخ] ½استهوانا¼ هوى بنا وشغلنا, وأصل ½السَّمر¼ ظلّ القمر, وغالب أحوال السُّمّار أنهم يتحدّثون في ظلّ القمر, ثم اتسع فيه فصار الجلوس بالليل للحديث يسمّى سمَراً على أيّ حال اتفق, و½السهر¼ عدم النوم. (الشريشي)

[2] قوله: [فلمّا روّقَ الليْلُ البَهيمُ...إلخ]  ½روّق الليل¼ إذا مَدّ رِواقَ ظُلمتِه وألقى أروِقَته, و½رواق الليل¼ ظلمته, و½الرواق¼ الثوب يُستظلّ به من الشمس, ويقال: ½بيت مروّق¼ إذا مُدّت ستره, و½البهيم¼ الخالص السواد, و½البهيم¼ الخالص من كلّ لون, و½التهويم¼ النوم الخفيف, أي: لم يبق من الليل إلاّ قدر نومة خفيفة, و½التغوير¼ النوم في القائلة, و½قد هوّم الرجل¼ إذا أسقط النُّعاسُ رأسه فانتبه بسقوطه فرفعه, فحقيقتُه سجودُ الرأسِ من النُّعاس, والمعنى: فلمّا أظلم الليل البهيم الذي لا يخالط لونَه لون آخَر سوى كان أبيض أو أسود فانحجب عنهم به القمر, وتمايل الرؤوس من النعاس. (مغاني, الشريشي)

[3] قوله: [سمِعْنا منَ البابِ نبْأةَ مُستَنْبِحٍ...إلخ] ½النبأة¼ الصوت الخفيّ, و½المستنبح¼ هو الذي ينبح في الليلة المظلمة يطلب بذلك نُباح الكلاب, وكان الرجل إذا تلف بالليل بالصحراء ولم يدر أين يتوجّه حاكى بصوته نُباح الكلب, فإن كان قريباً من العُمران نبَحت لنُباحه كلاب الحيّ فسمع أصواتها فقصد الحيّ, فتسمّى العربُ من يفعل هذا: ½المستنبِح¼, و½تلتها¼ تبعتها, و½الصكة¼ الدَّقّة والضربة, ومنه قوله تبارك تعالى: ﴿فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا [الذاريات:٢٩], و½المستفتح¼ طالب فتح الباب, و½الملم¼ النازل, وقيل: الزائر, و½المُدلَهمّ¼ الشديد الظلمة, والشديد السواد, من الدهمة, ولامُه زائدة. (الشريشي, الرازي)

[4] قوله: [يا أَهلَ ذا المَغْنَى وُقيتُمْ شَرّا...إلخ] ½المغنى¼ المنزل, و½وُقيتم¼ كفيتم, و½الشرُّ¼ ضد الخير, و½لقيتم¼ وجدتم, و½ما بقيتم¼ أي: مدّة بقائكم وحياتكم, و½الضرّ¼ بالضمّ المرض والفقر وسوء الحال, قال الله تعالى: ﴿إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡ‍َٔرُونَ[النحل:٥٣], وبالفتح مصدر ½ضَرّ¼ وهو ضدّ النفع. (مغاني, الشريشي)

[5] قوله: [قدْ دفَعَ الليلُ الذي اكْفَهَرّا...إلخ] ½اكفهرّ¼ تراكَمَ ظَلامُه وكثُر, أي: أظلم, و½اكفهر الرجُل¼ أي: عبَس, والمكفهر مِن السحاب الأسودُ الغليظُ الذي يركُب بعضُه بعضاً, و½ذراكم¼ منزلكم وكِنُّكُم, وكلُّ ما استترتَ به من ريح أو مطر أو شمس فهو ذَراً, ويقال: ½أنا في ظلّ فلان وفي ذراه¼ أي: في كنفه وستره, و½شَعِثاً¼ متغيّر الشعر, و½الشَعَث¼ ترك غَسل الرأس حتّى يتغيّر, و½المغبر¼ الذي على رأسه الغبار, يقال: ½اغبرّ الشيء¼ اغبراراً إذا صار عليه الغبار, وفي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجُلاً شَعِثاً قد تفرّق شَعرُه فقال: ((أما كان هذا يجِد ما يُسكِّن به شَعرَه))، ورأى رجُلاً آخَر وعليه ثياب وسِخَة، فقال: ((أما كان هذا يجد ما يَغسِل به ثوبَه)). (الشريشي, مغاني)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132