عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

فحينَ أحْرَزَ العَينَ في صُرَّتِه [1], بَرَقَتْ أساريرُ مسرّتِهِ, وقال لي: جُزيتَ خَيراً عنْ خُطا قدَمَيكَ [2], والله خَليفَتي علَيْكَ, فقُلتُ: أُريدُ أن أتّبِعَكَ لأشاهِدَ ولَدَك النّجيبَ [3], وأُنافِثَهُ لكَيْ يُجيبَ, فنظَرَ إليّ نظْرَةَ الخادِعِ إلى المَخْدوعِ [4], وضحِكَ حتى تغَرْغَرَتْ مُقلَتاهُ بالدّموعِ, وأنشَدَ:

يا مَـنْ تظَـنّى السّـرابَ مـاءً

 

لمّـا روَيْـتُ الذي روَيْـتُ [5]


 

 



[1] قوله: [أحْرَزَ العَينَ في صرّتِه...إلخ] ½أحرز¼ إذا جعله في حرز, و½العين¼ الحاضر مِن كلّ شيء مادي جمعها أعيان، وهي ضد الدين, يقال: ½اشتريت بالعين لا بالدين¼, و½أحرز العين¼ أي: جمع الدراهم والدنانير, و½صرّته¼ خرقة يجتمع فيها الدراهم, و½برقت¼ لمعت, و½الأسارير¼ الخطوط التي في الكفّ والجبهة, وهي جمع الجمع, أي: جمع أسرار, الواحد سِرّ وسِرَر, وعن عائشة: ((أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل عليها مسروراً تبرق أسارير وجهه)). و½مسرّته¼ سروره, جيعني: حين جمع الدنانير في صرته لاحت خطوط جبهته وظهرت علامات السرور في وجهه. (مغاني, الشريشي بزيادة)

[2] قوله: [جُزيتَ خَيراً عنْ خُطا قدَمَيكَ...إلخ] ½جزيت خيراً¼ أي: جزاك الله خيراً, وقد جاء في الحديث عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صُنع إليه معروفٌ فقال لِفاعِله: جزاك الله خيراً فقد أبلَغ في الثَّناء)), أي: بالَغ في أداء شكره, وذلك أنه اعترف بالتقصير وأنه ممَّن عجز عن جزائه وثنائه ففوّض جزاءه إلى الله ليجزيه الجزاء الأوفى, و½الخطوة¼ ما بين القدمين, وجمع القلّة ½خُطُوات¼ بضمّ الطاء وفتحها وسكونها, وجمع الكثرة ½خِطاء¼, قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ[البقرة:١٦٨], وقوله: ½والله خليفتي عليك¼ أي: هو كافلك عني, يقال في الدعاء: ½خلف الله عليك¼ أي: كان الله عليك خليفةً. (مغاني بزيادة)

[3] قوله: [لأشاهِدَ ولَدَك النّجيبَ...إلخ] ½النجيب¼ الجيد العقل الكريم الأصل, و½أنافثه¼ أي: أكلّمه, وقيل: أشاعِره, و½النفث¼ الشعر, وسمي الشعر نفثاً؛ لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه, يعني: قلتُ لأبي زيد: أريد اتباعك لأزور ابنك الذكي الفطين؛ إذ الولد سرّ أبيه, وأكلّمه لكي يجيبني فأنظر إلى ذكائه وفطنته. (مغاني بزيادة)

[4] قوله: [نظْرَةَ الخادِعِ إلى المَخْدوعِ...إلخ] يقال: ½تغرغرت عيناه¼ إذا تردّد فيها الدمع, و½الغرغرة¼ أن

يردّد الإنسان الماء في حلقه فلا يمجّه ولا يسيغه, أي: فنظر إليّ كنظر الخادع إلى من خدعه وضحك حتّى ملأت عيناه بالدموع ثم أنشد. (مغاني بزيادة)

[5] قوله: [يا مَنْ تظَنّى السّرابَ ماءً...إلخ] ½تظنّى¼ كان في الأصل ½تظنن¼ بنونين فأبدلت إحدى النونين ياءً, و½السراب¼ ما يُرى في الفلاة مِن ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري. قال الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡ‍َٔانُ مَآءً[النور:٣٩]. (مغاني)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132