عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

نَعوذُ بكَ منْ مَعَرّةِ اللّكَنِ وفُضوحِ الحصَرِ [1], ونَستَكْفي بكَ الافتِنانَ [2] بإطْراء المادِحِ وإغضاءِ المُسامِحِ, كما نَستَكْفي بكَ الانتِصابَ [3] لإزْراء القادِحِ وهَتْكِ الفاضِحِ, ونسْتغْفِرُك منْ سَوْقِ


 



[1] قوله: [مَعَرّة اللّكَن وفُضوحِ الحصَرِ] ½معرّة¼ العيب والأذا والعار, وتلوّن الوجه من الغضب, وقيل: ½المعرّة¼ ما يؤذيك ويضرّك, قال الله تعالى: ﴿فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ[الفتح:٢٥], و½اللكَن¼ و½اللُكنَة¼ ثقل في اللسان كالعُجمة, و½الفضوح¼ شهرة وفضيحة بكشف المعايب والمساوي, و½الحصر¼ العِيّ وهو خلاف الفصاحة, احتباس الكلام والعِيّ وضيق الصدر, وكلّ من امتنع من شيء لم يقدر عليه فقد حصر, قال الله تعالى: ﴿حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ[النساء:٩٠] أي: ضاقت بقتالكم, واستعاذ من شرّة اللسن لأنه من اقتدر على الكلام أدّاه إلى المطاولة في الجدل وتصوير الباطل في صورة الحق, وفيه إثم على فاعله, ثم استعاذ من ضدّها وهي المعرة؛ لأنّ صاحبها لا يتمّ لفظه فيشين بذلك نفسه, ويقصر عن مراده من البيان, ثُمّ قرن بها الحصر؛ لأنّ مَن يعتريه يتوالى عليه الوهلُ والخجل, فلا يستطيع الكلام فيفتضح ويشتهر عيبه, وهذا الفنّ من الكلام يسمّى في صنعة البديع ½المقابلة¼, وهي أنْ يضع الشاعر ألفاظاً يعتمد التوافق بين بعضها وبعض أو المخالفة, فيأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف, وبيان المقابلة في كلام الحريري: أنه قابل شرّة بمعرّة, واللسن باللكن, والهدر بالحصر. (مغاني, الشريشي, الرازي)

[2] قوله: [نستكفي بك الافتِنانَ...إلخ] ½نستكفي بك¼ نسألك الكفاية, و½الافتنان¼ الوقوع في الفتنة, وهي الضلال من قولهم: ½فتنه فلان¼ إذا أضلّه عن الحقّ, ومنه قوله تعالى: ﴿مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ بِفَٰتِنِينَ[الصافات:١٦٢], و½الإطراء¼ هو المدح بأحسن ما في الممدوح, وقيل: ½مجاوزةُ الحدّ في المدح والكذبُ فيه¼؛ فكأنّ المادح يضلّ الممدوح بمدحه, ولهذا نهي عنه على ما جاء في الحديث المسند, أنه عليه السلام قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم, فإنما أنا عبد الله ورسوله)). و½الإغضاءُ¼ الإغماض وإطباق الجفنين على الحدقين, وقيل: هو المقاربة بين الجفنَين, ومعناه: التساهل والتجاوز عن الزَّلّة والعثرة, و½المُسامِحِ¼ المساهل, والمعنى: نسألك ونطلب منك العصمة مِن الوقوع في الفتنة بمجاوزة الحد في المدح ممن يمدحنا بما ليس فينا والاغترار بمسامحة من يغمض عينه عن عيوبنا. (مغاني بزيادة)

[3] قوله: [نَستَكْفي بكَ الانتِصابَ...إلخ] ½الانتصاب¼ الظهور والاعتراض أمام الشيء, و½الإزراء¼ التنقيص, وليس مراده عيب القادح وإلاّ لقال: ½لزراية القادح¼ يقال: ½زريت عليه¼ زرايةً إذا عبت عليه, و½أزريت به¼ إزراءً إذا تهاونت به وقصرت, و½القادح¼ الطاعن بلسانه, و½الهتك¼ خرق الستر عمّا وراءه, و½الفاضح¼ الذي يشهّر العُيوبَ, يقول: يا الله! نسئلك ونطلب منك أن تقينا من وقوع الفتنة بمبالغة المادح وتغافل المساهل في الأخذ على الزَّلة كما نطلب منك أن تمنعنا من أن نكون عُرضة عائب. (الرازي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132