عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

ونُطْقاً مؤيَّداً بالحُجّةِ, وإصابةً ذائِدَةً عنِ الزَّيْغِ, وعَزيمةً قاهِرةً هَوَى النّفْسِ [1], وبصيرةً نُدْرِكُ بها عِرْفانَ القَدْرِ, وأنْ تُسعِدَنا بالهدايَةِ إلى الدِّرايةِ [2], وتَعْضُدَنا بالإعانَةِ على الإبانَةِ, وتعْصِمَنا مِنَ الغَوايَةِ في الرّوايَةِ [3], وتُصرِفَنا [4] عنِ السّفاهَةِ في الفُكاهَةِ, حتّى نأمَنَ [5] حصائِدَ الألْسِنَةِ, ونُكْفَى غَوائِلَ الزُّخْرُفَةِ,


 



[1] قوله: [عَزيمةً قاهِرةً هَوى النّفْسِ...إلخ] أي الإرادة المؤكدة, وهي اسم من ½عزم الأمر¼ إذا أمضاه وأحكمه, و½قاهرة¼ أي غالبة, و½هوى النفس¼ ما تحبّه وتميل إليه النفس, وفي نسخة: ½عن هوى النفس¼, و½القهر¼ يتعدّى بنفسه, إلاّ أنه يصحّ تعديته بـ"عن" لتضمينه معنى المنع, و½بصيرة¼ أي يقيناً, و½البصيرة¼ للقلب كالبصر للعين, و½عرفان القدر¼ أي معرفة أقدارنا, يقول: اللهمّ! نطلب منك أنْ ترزقنا رأياً قوياً في قهر الهوى, وبصيرةً ويقينا ندرك به معرفة أقدارنا ومراتبنا, و½البصيرة¼ في غير هذا الدليلُ والحجّةُ والعبرةُ, قال الله تعالى: ﴿هَٰذَا بَصَٰٓئِرُ لِلنَّاسِ [الجاثية:٢٠], أي: حجج وبراهين واضحة, وأمّا قوله تعالى: ﴿بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةٞ [القيامة:١٤], فعلى تأويل أنه عين بصيرة أو كما يقال للرجل: ½أنت حُجّة¼ أو تكون الهاء للمبالغة كما في ½العلاّمة¼. (المطرّزي, المصباحي)

[2] قوله: [وأن تسعِدَنا بالهدايَةِ إلى الدِّرايةِ...إلخ] منصوب محلاًّ معطوف على قوله: ½توفيقاً¼ أي تجعلنا سعيداً غير خائب, ½الدراية¼ مصدر ½دريتُ الشيء¼ أي: علمتُه, و½تعضُدنا¼ أي تنصرنا وتقوّينا, و½الإبانة¼ البيان عمّا في الضمير, يقول: اللهمّ! إنا نسئلك أنْ تجعلنا سعيداً, بأنْ تهدينا إلى العلم وأنْ تعيننا وتقوّينا على الإعراب عما في الضمير, وفي قوله: ½تسعدنا...إلخ¼ صنعة المماثلة, وهي أنْ يتوافق كلُّ كلمة من الفقرة الأولى أو أكثرها كلَّّ كلمة من الفقرة الثانية أو أكثرها في الوزن دون التقفية. (المصباحي)

[3] قوله: [وتعصمنا مِنَ الغَوايَةِ في الرّوايَةِ...إلخ] بالنصب عطف على ½تسعدنا¼, و½عصمه الله منه¼ عصمة وقاه ومنعه منه, و½الغواية¼ الضلال والجهل, مصدر ½غوى¼ وهو ضدّ ½رشَد¼, و½الرواية¼ نقل الحديث من صاحبه إلى طالبه. يقول: ونطلب منك أنْ تمنعنا من الضلالة والفساد في نقل الكلام والحكايات. (الشريشي, المصباحي بزيادة)

[4] قوله: [تصرفنا...إلخ] أي تزيلنا, ½السفاهة¼ الجهل وخفّة الحِلم, و½الفُكاهة¼ المزاح وما تستريح به النفوس, وهي في الكلام كالفاكهة في الطعام, أي تمنعنا من الجهل وخفة الحِلم عند المزاح والتكلّم مع أصدقاء الأحباب. (الشريشي بزيادة)

[5] قوله: [حَتّى نأمن...إلخ] أي نسلم وننجو, و½الحصائد¼ جمع حصيدة, وهي ما يحصد من الزرع, فهي فعيلة بمعنى مفعولة, و½الألسنة¼ جمع اللسان, والمراد: الوقع في الناس والطعن في أعراضهم, وفي الحديث: ((هل يَكُبّ الناسَ على مَناخِرهم في النار إلاّ حَصائِدُ ألْسِنَتِهم)). و½نكفَى¼ مضارع مبني للمجهول, وهو من كفى الله فلاناً الشيء, حفظه منه, وفي التنزيل: ﴿فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ[البقرة:١٣٧], و½غوائل¼ جمع غائلة, المهلكات, و½الزخرفة¼ تزيين الكلام الباطل وتمويهُه, تستعمل في كلّ مموه مزوّر, قال الله تعالى: ﴿يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ﴾ [الأنعام:١١٢], وفي قوله: ½حصائد الألسنة¼ استعارة مكنية, شبّه الألسنة في قطعها الأعراض بالمناجل وأشار إلى المشبّه به بقوله: ½حصائد¼, وفي قوله: ½غوائل الزخرفة¼ تشبيه مؤكّد, شبّه الزخرفة بالمهلكات ثمّ أضافها إليها. (مغاني, المصباحي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132