عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

ولا تَنْتَهي عن لَهوِكَ؟ تُبارِزُ بمَعصِيَتِكَ [1], مالِكَ ناصِيَتِكَ! وتجْتَرِئُ بقُبْحِ سيرَتِك, على عالِمِ سَريرَتِكَ! وتَتَوارَى عَن قَريبِكَ [2], وأنتَ بمَرْأَى رَقيبِكَ! وتَستَخْفي مِن ممْلوكِكَ وما تَخْفى خافِيَةٌ على مَليكِكَ! أ تَظُنُّ أنْ ستَنْفَعُكَ حالُكَ [3] إذا آنَ ارتِحالُكَ؟ أو يُنْقِذُكَ مالُكَ حينَ توبِقُكَ


 



[1] قوله: [تُبارِزُ بمَعصِيَتِكَ...إلخ] ½تبارز¼ أي: تكاشف وتقابل, و½البارز¼ الظاهر المنكشف, و½الناصية¼ شعر مقدم الرأس, وقال الفرّاء والأزهري: منبت الشعر في مقدم الرأس لا الشعر الذي تسميه العامّة ناصية لنباته في ذلك, وكنى عن جميع البدن بالناصية, كما أنّ العرب تكني عن الكُبَراء بالرؤس وعن الأتباع بالأذناب, قال الله تعالى: ﴿نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ[العلق:١٦] أي: صاحبها كاذب, أوقع الجزء موقع الجملة, وقيل: في قوله تعالى: ﴿لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ[العلق:١٥], أي: لنسوّدنّ وجهَه, فكفت الناصية؛ لأنها في مقدم الوجه, وقيل: لنجرّنه بناصيته إلى النار, و½تجترئ¼ أي: لم تبال, يقال: ½اجترأ عليه¼ أي: لم يبال به, ولم يفزع منه, و½السيرة¼ الطريقة والسنّة والهيئة, قال الله تعالى: ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلۡأُولَىٰ[طه:٢١] أي: سنردّها عصاً كما كانت, وجمعها ½سيَر¼ وهي ما يعامل به الناس من خير أو شرّ, وأصل السِّيرة هيئةُ فعل السيْر, وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: هيئة أفعاله حيث كانت, و½السريرة¼ ما يكتمها الإنسان من أعماله, قال الله تعالى: ﴿يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ[الطارق:٩], وهي الأعمال التي أسرها العباد, أي: تستتر. (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [وتَتَوارَى عَن قَريبِكَ...إلخ] و½تتوارى¼ تستتِر, قال الله تعالى: ﴿حَتَّىٰ تَوَارَتۡ بِٱلۡحِجَابِ[ص:٣٢], و½القريب¼ فعيل من قرُب أي: دنا, و½القريب¼ الداني في المكان أو الزمان أو النسب, و½المرأى¼ المنظر, وهو مفعل من الرؤية, و½الرقيب¼ وهو من أسماء الحسنى, وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء, وإضافته إلى ضمير الخطاب بأدنى ملابسة, وهو أنه ربُّنا ونحن عباده, والجملة منصوبٌ محلاً على الحالية, و½تستخفي¼ أي: تستتر وتختفي, و½المملوك¼ من تملكه من العبيد والإماء, و½الخافية¼ السيرّ, و½مليك¼ مالك, أي: أنّ الإنسان إذا خلا بريبة استتر بها عن أخيه وعبده حياءً منهما, ولا يستحيي من ربِّه الذي يطَّلع على معاصيه, ولا يخفى عليه خافية, وأشار إلى قوله تعالى: ﴿يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ[النساء:١٠٨]. (الشريشي, المصباحي)

[3] قوله: [أ تَظُنُّ أنْ ستَنْفَعُكَ حالُكَ...إلخ] ½الهمزة¼ للاستفهام, والاستفهام للتقرير, و½أن¼ ههنا مخفّفة واسمه محذوف, أي: أنه, و½الحال¼ كِينَة الإنسان, وهو ما كان عليه من خير أو شرّ, يذكّر ويؤنّث, فمن ذكّر الحال جمعه أحوال, ومَن أنّثها جمعه حالات, و½آن¼ حان وقرُب, و½الارتحال¼ هو السير من مكان إلى آخر, وههنا أريد به الارتحال من الدنيا إلى الآخرة على سبيل المجاز المرسل من قبيل ذكر العام وإرادة الخاص, و½ينقذك¼ يُنجِيك ويُخلِصك, و½توبقك¼ أي: تهلكك, يقال: ½وبِق الرجلُ¼ أي: هلك, وأوبقَه غيره, أي: أهلكه, و½يغني عنك¼ ينفعُك, وفي التنزيل: ﴿مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ[اللهب:٢], و½الندم¼ التحسّر على شيء فعَله, و½زلّت¼ زلقت, و½عطف يعطف¼ أي: أشفق, و½معشرك¼ قومك, و½يضمّك¼ يجمعك, و½محشرك¼ موضعك الذي تحشر إليه. (مغاني, المصباحي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132