عنوان الكتاب: جد الممتار على رد المحتار (المجلد الأول)

الأوقاف مجْمَعٌ عليها، وقد غيّرا في التعبير بما يُبْرئهما عن تعميم التحريم فلم يقولا: توضّأ من نهر، بل قال البحر[1]: (هذا إذا كان ماء نهرٍ)، وقال الدرّ[2]: (لو بماء النهر). والفرق في التعبيرَين لا يخفى على المتأمّل، وبيان ذلك على ما أقول: إنَّ التوضّئ من النهر وإن لم يدلّ مطابقةً إلاّ على التوضّئ بالاغتراف منه لكن يدلّ عرفاً على نفي الواسطة، فمَن ملأ كوزاً من نهر واغترف عند التوضّئ من الكوز لا يقال: توضّأ من النهر، بل من الكوز إلاّ على إرادة حذفٍ، أي: بماءٍ مأخوذٍ من النهر، والتوَضّئ من نهر بلا واسطة إنّما يكون في متعارف النّاس بأن تدخل النهر أو تجلس على شاطئه وتغترف منه بيدك وتتوضّأ فيه، فوقوع الغسالة في النهر هو الطريق المعروف للتوضئ من النهر، فيدلّ عليه دلالةَ التزام للعرف المعهود بخلاف التوضّئ بماء النهر، فلا دلالة له على وقوع الغسالة في شيء أصلاً. ألاَ ترى! أنّ مَن توضّأ في بيته بماء جُلب من النهر تقول: توضّأ بماء النهر لا من النهر. هذا هو العرف الفاشي، والفرق في الإسراف بين الماء الجاري وغيره بأنّه تضييعٌ في غيره لا فيه، إنّما يبتنى على وقوع الغسالة فيه، ولا مَدْخَلَ فيه للاغتراف، فمَن ملأ جرّةً من نهر وسَكَبهَا على الأرض من دون نفع فقد ضَيَّع، وإن أفرغ جرّةً عنده في نهر لم يضيّع. والدالّ على هذا المبنى هو لفظ من نهر لا لفظ بماء النهر كما علمتَ، ففي الأوّل تكون دلالةً على تعميم التحريم لا في الثاني، هذا هو الفارق بين تعبير ذلك الشافعي وتعبير البحر والدرّ.


 



[1] ٠البحر٠، كتاب الطهارة، سنن الوضوء، ١/٥٧.

[2] انظر ٠الدرّ٠، كتاب الطهارة، مكروهات الوضوء، ١/٤٤٠.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

568