التفاؤل والتشاؤم في ميزان الشريعة الإسلامية بين الفوائد والأضرار | الشيخ طارق المحمد


نشرت: يوم الأَربعاء،16-سبتمبر-2020

التفاؤل والتشاؤم في ميزان الشريعة الإسلامية بين الفوائد والأضرار

السعادة غاية يَنْشُدها كل مخلوق على وجه هذا الكون، فهي الهدف الأسمى الذي يسعى الإنسان لنيله، وهي الدافع النابع من أعماق الإنسان، والحامل له على تصرفاته وأفعاله، سواء شعر بذلك أو لم يشعر.

والسعادة مثلها كمثل سائر الأمور الأخرى لها أسباب تسلك لنيلها، ومن أهم هذه الأسباب التي تبعث على السعادة وانشراح الصدر...التفاؤل!

نعم...التفاؤل ذلك الخلق الذي يحمل الإنسان على ما يسمى في وقتنا هذا بالإيجابية فيعيش سعيداً مسروراً، لذا فقد حضَّ الإسلام على التفاؤل وحذَّر من ضدِّه وهو التشاؤم، ذلك الخُلُق الذي يُوقع الإنسان في الهمّ والحزن، وقد ورد في كِلا الأمرين أحاديث وآثار كثيرة...

فما هي حقيقة التفاؤل وما هي فوائده؟ وما هو التشاؤم وما هي أضراره، وكيف نتخلص من التشاؤم؟
هذا ما سنبينه في هذا المقال بعون الله تعالى:

الفأل الحسن:

التفاؤل في اللغة معناه التَّيمُّن والاستبشار، تفاءل بالشيء أي رأى أنه يَحمِل له صلاحا وخيرا، وقد ورد التفاؤل في أحاديث متعددة منها ما رواه ابن ماجه وغيره عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويَكرَه الطِّيَرَة

فالتفاؤل: أن يكون رجل مريض، فيتفاءل بما يسمع من كلام، فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طالب ضالة، فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقع في ظنه أنه يبرأ مِن مرضه، ويجد ضالته؛. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير جـ٤ صـ٤٠٦)

قال الحليمي رحمه الله: وإنما كان صلى الله عليه وسلم يُعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوءُ ظنٍّ بالله تعالى بغير سببٍ مُحقق، والتفاؤل حُسن ظنٍّ به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ١٠ ـ صـ ٢٢٦)

إذن فالتفاؤل له صلة وثيقة وارتباط كبير بحسن الظنّ بالمولى سبحانه وتعالى، فالمتفائل يتوقع الخير من الله، بخلاف المتشائم، والله سبحانه وتعالى يقول كما في الحديث القدسي: وأنا عند ظنّ عبدي بي. (متفق عليه)

فوائد التفاؤل:

إن للتفاؤل فوائد كثيرة، ومنافع غزيرة، من أهمها:
١-انشراح الصدر وطمأنينة النفس، فالتفاؤل يبعث في النفس جذوة الأمل.
٢-تدريب النفس على الثقة بأقدار الله سبحانه وتعالى، فالمتفائل يحسن الظنّ بالمولى سبحانه ويرجو منه الخير والبركة.
٣-الإيجابية والفعالية: فالإنسان المتفائل إنسان إيجابي فعّال في الحياة، مقبل على الدين والدنيا.
٤-الفوائد الصحية: ففوائد التفاؤل ليست مقصورة على الجانب الروحي فحسب، بل إنها تتعدى ذلك لتنعكس على صحة الإنسان البدنية، فالتفاؤل يَحُدُّ من مخاطر أمراض القلب، ويقلل التوتر، ويحسّن النوم.

أمثلة من تفاؤل النبي صلى الله عليه وسلم:

نبينا صلى الله عليه وسلم هو القدوة العظمى والمثال الأكمل، وقد كان صلى الله عليه وسلم إماما في التفاؤل، ومن أمثلة تفاؤله صلى الله عليه وسلم:
١- روى البخاري عن المِسور بن مَخرمة رضي الله عنه (في حديث صلح الحديبية)، قال: لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

لقد سهُل لكم من أمركم؛ (البخاري: ٢٧٣١)

قال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله: تفاءل النبي صلى الله عليه وسلم باسم سهيل بن عمرو على أن أمرهم قد سهل لهم. (عمدة القاري شرح صحيح البخاري بدر الدين العيني جـ١٢ صـ ١٢)

٢- روى البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

فقال: ما اسمك؟ قال: حزْن، قال: أنت سهل، قال: لا أُغير اسمًا سمانيه أبي، قال سعيد بن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعدُ. (البخاري ـ ٦١٩٠)

قال ابن حجر: (قوله: (أنت سهل)؛ أي: بل اسمك سهل. قوله: (الحزونة فينا): الشدة التي بقِيت في أخلاقهم). (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ١٠صـ ٥٧٤،٥٧٥)

٣- روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يعجبُه إذا خرج لحاجتِه أن يسمعَ:

يا راشدُ، يا نَجيحُ. (سنن الترمذي ١٦١٦)

- عن أبي هريرة - رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال:

أخذنا فألك من فيك. (أخرجه أبو داود في سننه ٣٩١٧)

٥- لما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عبد الله بريدة بن الحصيب الأسلمي في سبعين من قومه من بني سهم: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم :

من أنت؟ قال: بريدة، فقال لأبي بكر: برد أمرنا وصلح. ثم قال: ممّن؟ قال: من أسلم. فقال لأبي بكر: سلمنا. ثم قال: من بني من؟ قال: من بني سهم. قال: خرج سهمك يا أبا بكر. فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد الله رسول الله. فقال بريدة: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا. قال بريدة: الحمد لله الذي أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين. (سبل الهدى والرشاد جـ٣ صـ٢٥٢، الأنوار في شمائل نبي المختار صـ٣٤٠)

التشاؤم:

أما التشاؤم فمن الشُّؤْمُ وهو خلاف اليُمْنِ (لسان العرب) فإذنْ هو توقع الشر، وقد يطلق عليه التَّطَيُّر، وقد يطلق التطير على التفاؤل على سبيل المجاز، وسمي التطير بذلك أخذا من الطَّير، وذلك أن العرب كانت تتشاءم بالطير إذا كانوا في سفر أو مسير، فيصدهم ذلك عن المسير، ويردهم عن بلوغ ما يريدونه من مقاصدهم، فأبطل صلى الله عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثيرٌ في اجتلاب ضررٍ أو نفع، واستحب الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها من ناحية حسن الظن بالله؛ (انظر معالم السنن للخطابي جـ٤ صـ٢٣٥)

أشياء كانت العرب تتشاءم منها:

كانت العرب تتشاءم من عدة أشياء فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك،
روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر. (البخاري ٥٧٥٧,مسلم ٢٢٢٠)

والهامة: هي البومة، وقد كان العرب يتشاءمون منها فنهى عن ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أنها لا تقدم ولا تؤخر، فإذا أردت شراء بيت ورأيت فوقه بومة فلا يمنعَنَّك ذلك من إتمام الصفقة، لأنها لا تضر ولا تنفع.

قال ابن الأعرابي رحمه الله: كانوا يتشاءمون بالبومة إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نعَت إليَّ نفسي، أو أحدًا من أهل داري. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ١٠ صـ ٢٤١)

وأما صفر: فقد كانت العرب تتشاؤم من هذا الشهر، وتعتقد نحوسة شهر صفر، لذلك بين عليه الصلاة والسلام أن ذلك مذموم منهيٌ عنه، وأنه ليس في شهر صفر نحوسة ولا شُؤم.

فعن عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:

أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ. (أخرجه أبو داود ٣٩١٩)

فالنفي هنا بمعنى النهي، أي: شأن المسلم ألا يرجع عما عزم عليه من أجلها، لعلمه أن لا أثر لغير الله تعالى أصلاً.

علاج التشاؤم

١-تعويد النفس على التفاؤل وعدم التوقف عن العمل من أجل التشاؤم وتوقع الشر.
يقول فضيلة الشيخ إلياس العطار القادري حفظه الله:(إذا أردت الذهاب إلى مكان ورأيت قطة سوداء في الشارع فلا ترجع، بل امض ولا تتوقف فإنها لا تقدم ولا تؤخر).

ومُشَتِّتُ العَزَمَات ينفقُ عمره***حيرانَ لا ظفر ولا إخفاق

٣- التوجه إلى الله بالدعاء وتفويض الأمر إليه: فالمسلم يدعو الله بكل خير، ويسأله أن يصرف عنه كل شر، كما جاء في حديث الطيرة السابق ذكره:

اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك.

٤-صدق التوكل على الله: قال تعالى:وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ. (الطلاق: ٣)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكُّله، لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا. (أخرجه الترمذي ١٩١١)

٥-النظر إلى محاسن الأشياء وغض الطرف عن مساوئها:
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ. (مسلم" ٦٧٧٦)

وفي الختام، لا ننسى أن الجميل يَرَى الوجودَ كلَّه جميلاً، وينظرُ إلى الكون على أنه مظهر من مظاهر أفعال الحكيم المبدع سبحانه وتعالى، فيحب ما فيه محبةً لخالق الكون سبحانه وتعالى

أَيُّهَذَا الشَّاكِي! وَمَا بِكَ دَاءٌ * * * كَيْفَ تَغْدُو إِذَا غَدَوْتَ عَلِيلا
إِنَّ شَرَّ الْجُنَاةِ فِي الْأَرْضِ نَفْسٌ * * * تَتَوَخَّى قَبْلَ الرَّحِيلِ الرَّحِيلا
وَتَرَى الشَّوْكَ فِي الْوُرُودِ وَتَعْمَى * * * َأنْ تَرَى فَوْقَهَا النَّدَى إِكْلِيلا
وَالّذِي نَفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ لَا* * * يَرَى فِي الْحَيَاةِ شَيْئاً جَمِيلا

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شر التشاؤم، وأن يفتح لنا أبواب الخير والتيسير والتفاؤل بجاه سيدنا ومولانا محمد البشير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

تعليقات



رمز الحماية