مدونات مختارة
الأكثر شهرة
تيسيرات إلهيّة لأمّة الحبيب المصطفى ﷺ | محمد أحمد رضا العطاري المدني
هذا المقال من مجلة نفحات المدينة: 18
قال رسول الله ﷺ: اخْتَصَرَ لِيَ اخْتِصَارًا (سنن الدارمي: 1/42، (54))
لقد بيّن الإمام أحمد رضا الهندي الحنفي رحمه الله تعالى في "الفتاوى الرضوية" المعاني المتعدّدة لهذا الحديث الشريف، وشرح عظمة سيّدنا رسول الله ﷺ من خلاله، فتعالوا بنا لنطالع تلك المعاني المختلفة لهذا الحديث الشريف، ونتعرف إلى منزلة حبيب ربّ العالمين ﷺ كما سطرها الإمام أحمد رضا الهندي الحنفي رحمه الله تعالى:
1. أُعطي جوامع الكلم:
قال الإمام أحمد رضا رحمه الله تعالى في شرح معانيه: أي: أنّه ﷺ أُوتي جوامع الكلم، أي: الكلم الجامع لمعانٍ كثيرةٍ بألفاظٍ قليلةٍ (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (7/221))
وهذا يدل على أن الله سبحانه قد وهب حبيبه المصطفى ﷺ كمال الإيجاز، فكان يبيّن الكلام الطويل والمفصّل بألفاظٍ قليلةٍ جدًّا، وكأنّه جمع البحر في إناء
2. تقصير مدّة المكث في القبر:
أو (معناه) قُصِّر لي الزمان، حتّى لا تمكث أمّتي في القبور إلّا أيامًا قليلةً، (أي: إنّ أمّة سيّدنا رسول الله ﷺ تمكث في القبور مدّة قليلة نسبةً إلى الأمم السابقة؛ لأنّها آخِر الأمم زمانًا).
3. تخفيف مشاق الدنيا عن الأمّة:
يمكن أنْ يكون معنى الحديث: أنّه قُصِّرتْ أعمار أمّتي، ليتخلّصوا مِن مكاره الدنيا ومشاقها، وتكون ذنوبهم قليلةً، ويصلوا بسرعة إلى النعيم الأبدي، (أي: تكون أعمار أمّتي قليلةً نسبةً إلى الأمم السابقة، وبذلك لا يُعانون مِن مشاق الدنيا إلّا قليلًا، وتقلّ فرصة ارتكابهم للذنوب، ويقل انتظارهم لنعيم الجنّة مقارنةً بالأمم السابقة).
4. تقصير مدّة الحساب للأمّة المحمّديّة:
كذلك يمكن أنْ يكون معنى الحديث الشريف: أنّ الله سبحانه وتعالى يقصّر مدّة الحساب لأمّة حبيبه ﷺ، كأنّه يقول يوم القيامة: يا أيتّها الأمّة المحمّديّة! لقد عفوتُ عنكم في حقوقي، فاعْفوا عن حقوق بعضكم بعضًا، وادخلوا الجنّة، (أي: إنّ حساب يوم القيامة الذي يكون طويلًا وشاقًّا، سيُختصر ويُتمّ بسرعةٍ لأمّة سيّدنا رسول الله ﷺ).
5. عبور الصراط بسرعة:
أو معناه أنّ الله تعالى يقصّر مسيرة الصراط لأمّتي حتّى تعبره كالطرف أو كالبرق، كما جاء في الصحيحين عن سيّدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله ﷺ: الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ. (صحيح البخاري: 4/554، (7439))
6. تخفيف يوم القيامة على المؤمنين:
يمكن أنْ يكون معنى الحديث الشريف: أنّ الله لم يقتصر على التيسير للأمة في عبور الصراط لأمّة نبيّه ﷺفحسب، بل يُخفّف عليهم يوم القيامة، -ومقداره خمسون ألف سنة- فيخفّ على الأمّة المحمّدية حتّى يكون عليها أخف مِن صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا، كما جاء في روايات عند الإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن حبان، وابن عدي، والبغوي، والبيهقي رحمهم الله تعالى، عن سيّدنا أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنّه قال: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: يَوْمًا كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، مَا أَطْوَلَ هَذَا اليَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا. (مسند أحمد: 4/151، (11716))
7. الجهد اليسير مع الثمرات العظيمة:
أو يعني بالحديث أيضًا: أنّ أُمّتي تنال الكمالات في الدنيا ببذل جهدٍ يسيرٍ، وتبلغ المراتب العالية في زمنٍ قصيرٍ، فالمعارف والمفاهيم التي لم تتحقّق بمجاهدة ألف سنة، هي انكشفتْ لأصحابي خلال أيامٍ معدودةٍ مِن صحبتهم لي، وقد تفرّد أصحابُ سيّدنا رسول الله ﷺ في العلم والحكمة ببركة ملازمتهم له ﷺ لبضع سنوات.
8. تقليل المسافة بين العرش والأرض:
(ويحتمل أنْ يكون المراد بالحديث) أنّ المسافة بين العرش والأرض -وهي مسيرة مئات آلاف السنين-، وقد اختُصر لي، فإنّ الذهاب والإياب ومشاهدة جميع المقامات بالتفصيل، تمّ كلّ ذلك في ثلاث ساعات من ليلة فقط.
9. نزول كتاب جامع لكلّ شيء:
(ومِن المحتمل أنْ يكون المراد بالحديث): أنه قد أُنزل عليَّ كتابٌ اشتملتْ أوراقُه المعدودةُ على بيانٍ واضحٍ ومفصّلٍ لجميع الأمور الماضية والآتية، وكلّ آيةٍ منه تتضمّن ستين ألف عِلم، ولو شُرحتْ آيةٌ واحدةٌ منه لامتلأْ بها حمل سبعين بعيرًا، وأيُّ اختصارٍ أخصر مِن هذا؟ (أي: أنّ الله سبحانه وتعالى جمع لي في صفحاتٍ محدودةٍ ومختصرةٍ مِن القرآن الكريم خزائن العلوم والحِكَم مما يعجز العقلُ عن الإحاطة به).
10. العالم بين يدي رسول الله ﷺ:
(وقد يقصد بهذا الحديث): أنه اختُصر لي العالم الواسع مِن المشرق والمغرب حتّى أصبحتُ أراه، وما سيقع فيه إلى يوم القيامة، كأنّي أنظر إلى كفّي هذه، كما روي عن سيّدنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّه قال: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدْ رَفَعَ لِيَ الدُّنْيَا، فَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا وإِلى مَا هُوَ كَائِنٌ فِيهَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ، كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلى كَفِّي هَذِه. (المعجم الكبير: 13/319، (14112))
11. أجر عظيم مقابل عمل بسيط:
(يمكن أنْ يكون معنى الحديث): بأنه قد منح الله تعالى الأمّة المحمّدية ثوابًا عظيمًا على عمل بسيط، (كما جاء في الصحيحين أنّ الله تعالى قال: فَهْوَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ. (صحيح البخاري، 1/205، (557))
أي: أنّ الله تعالى يمنح الأمّة المحمّديّة أجرًا كثيرًا على عمل بسيط.
12. تخفيف التكاليف عن الأمّة المحمّدية:
يحتمل أنْ يكون معنى الحديث: أنّ الله سبحانه وتعالى قد رفع عن أمّة حبيبه ﷺالأعمال الشاقة الطويلة التي كانت مفروضة على الأمم السابقة، فالصلاة قد فرضتْ في البداية خمسون صلاة، ثمّ خفّفت إلى خمس صلوات، ومع ذلك يُكتب لهم ثواب خمسين صلاة، وكذلك في الزكاة فُرض دفع جزءٍ مِن أربعين جزءًا من المال (أي: 2.5%) بدلًا مِن ربع المال (25%)، ومع ذلك يُكتب لهم أجر مَن تصدّق بالربع)، وعلى هذا المنوال يكون المعنى والله أعلم، والحمد لله ربّ العالمين.
وهذا أيضًا مِن اختصار كلامه ﷺ، حيث تمّ شرح ثلاث كلمات وهي جملة موجزة (أي: شرح قوله: اختصر لي اختصارًا ) بكلماتٍ متنوّعةٍ ومعانٍ مختلفة.
نسأل الله الكريم أنْ يمنّ علينا بأجرٍ عظيمٍ على أعمالنا البسيطة التي قمنا بها في حياتنا القصيرة، وأنْ يغفر لنا دون حساب، وأن يدخلنا الجنّة، آمين بجاه النبي الأمين ﷺ.

تعليقات