عنوان الكتاب: عناية النحو على هداية النحو

ربّ العلمين([1])والعاقبة للمتّقين([2]).......................................

 



([1]) قوله: [ربّ العلمين] يجوز فيه ثلثة أوجه من الإعراب: الجرّ على أنه صفة اسم الجلالة، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو ½هو¼، والنصب على أنه مفعول الفعل المقدّر أعني: ½أعني¼، لايقال: إنّه لايصحّ الوجه الأوّل؛ لأنّ لفظ الجلالة معرفة و½ربّ العلمين¼ نكرة، لأنا نقول: إنّ إضافة الربّ إلى العلمين معنويّة؛ لأنّ الربّ ههنا وإن كان بمعنى الراب اسم الفاعل إلاّ أنه بمعنى الماضي الكائن في ضمن الاستمرار نحو قوله تعالى:﴿خَالِق اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ واسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى لا يعمل فيما بعده فلا يكون مضافاً إلى معمولِها حتّى يكون الإضافة لفظيّة، ولأنه بعد التخفيف بمنـزلة الأعلام الغالبة فصار كالاسم لا الصفة، والشرط في الإضافة اللفظيّة كون المضاف صفة مضافة إلى معمولِها "ه". ثُمّ الربّ في اللغة: ½پرورنده، ومالك را نيز گويند¼، وفي الاصطلاح: هو الموجود المبقي ولا يفني، "ه". وقال: بعض العلماء: الربّ هو الخالق ابتداء والمربّي غذاء والغافر انتهاء، وهواسم الله الأعظم، ولا يجوز إطلاقه على غير الله إلاّ عند الإضافة كما يقال: ½ربّ الدار¼ و½ربّ الْمال¼ إلى غير ذلك، والعالم اسم لِما يعلم به كـ½الخاتم¼ لِما يختم به و½التابع¼ لِما يتبع به ثُمّ غلب فيما يعلم به الصانع، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض، "ية". فإن قلت: إذا كان اللفظ المفرد يدلّ على جميع ما سوى الله فلا حاجة إلى جمعه، قلنا: الأمر كذلك إلاّ أنه جمع لكثرة أنواع العالَم وأجناسه، فإن قلت: ما سوى الله على نوعين: ذي علم وغير ذي علم، فلا يصحّ جمعه بالواو والنون؛ لأنه مختصّ بذوي العلم وبصفاتِهم، قلنا: جمعه بالواو والنون إمّا لأنّ فيه معنى الوصفية وهى الدلالة على معنى العلم، وإمّا لأنّه اسم لذوي العلم من الثقلين على قول، وإمّا لتغليب ذوي العلم على غيرهم؛ لأنّهم أشرف، وقيل: هذا الجمع من الجموع الشاذّة كـ½سنين¼ و½أرضين¼ ونحوهما، "ه" بزيادة.

([2]) قوله: [والعاقبة للمتّقين] أي: خير العاقبة للمتّقين، فإنّ العاقبة متناولة للخير والشرّ وإنّما خيرها للمتّقين، أي: خير الدرجات العالية المتعلّقة بالأعمال الصالحة للمتّقين، وأمّا الدرجات العالية المتعلّقة بفضل الله تعالى فهي تعمّ سائر المؤمنين والمؤمنات، وهذه الجملة ليست بمعطوفة على جملة الحمد بل اعتراضيّة لبيان النكتة وهى إمّا إشارة إلى أنّ التقوى عمدة من بين الأعمال، أو إشارة إلى أنّ النجاة من المهلك ليست إلاّ بالتقوى، وإمّا دفع الوهم المستفاد من كلام سابق فإنّه لَمّا قال: ½الحمد لله ربّ العلمين¼ توهّم أنه تعالى لَمّا كان ربّ العلمين كان خير العاقبة للعالَمين أيضاً، فدفعه بقوله: ½والعاقبة للمتّقين¼، وإمّا للتصريح بأنّ خير درجات الآخرة للخاشعين، أو للتخصيص بعد التعميم فإنّه ذكر النبِيّ عليه الصلاة والسلام أوّلاً في زمرة المتّقين؛ لأنه أتقى المتّقين وأزهد الزاهدين ثُمّ خصّصه بالصلاة عليه لكمال المدح، "ه"صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وبارك وسلم صلاة دائمة بدوام ملكه وسلاماً دائماً إلى يوم الدين، ثُمّ العاقبة ½انجام شئ¼، والمتّقين جمع ½متّق¼ وهو اسم فاعل من قولهم: ½وقاه فاتّقى¼ فاءه واو ولامه ياء، فإذا بنيت من ذلك ½افتعل¼ قلّبتَ الفاء تاء وأدغمتها في تاء ½الافتعال¼ فقلت: ½اتّقى¼، والوقاية في اللغة: فرط الصيانة، وفي الشريعة: صيانة النفس من تعاطي ما تستحقّ به العقوبة من الفعل أو الترك، وللتقوى درجات سبع ذكرها الإمام أحمد رضا الماتريدي الحنفي رحمه الله تعالى في "ض". وعمدتها الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق مِمّا رزق كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[البقرة: 3].




إنتقل إلى

عدد الصفحات

279